يجتني منه إلا الشوك لأنّه ليس فيه سواه، كذلك الأمراء ليس فيهم وفي القرب منهم إلا اكتساب الخطايا:
إن قلت: الأمراء قد يصيب من دنياهم بخلاف القتاد قلت: خير الدنيا الذي يناله بالنسبة إلى ما فوته من الدين لا يعد خيرًا قط وهذا الحديث من أعلام النبوة فقد جرب هذا ووقع ولا يكاد يفلح أحد من العلماء اتصل بالسلطان، ولهذا تجنب أعلام الهدى القرب منهم، ووقع في حبائلهم من وقع، والحكايات في النوعين كثيرة شهيرة، ولما اتصل ابن علية بالملوك، وولي القضاء، وكان معتزلًا لهم، عاتبه عبد الله بن المبارك، رحمه الله، وكان إمامًا في العلم، والزهد والورع بهذه الأبيات:
يا جاعل الدين له بازيا ... يصيد أموال المساكين
احتلت للدنيا ولذاتها ... بحيلة تذهب بالدين
وصرت مجنونًا بها بعدما ... كنت دواء للمجانين
أين أحاديثك والقول ... في فتح أبواب السلاطين
وأين رواياتك فيما مضى ... عن ابن عون وابن سيرين
تقول أكرهت وماذا كز ... زل حمار العلم في الطين (١)
والحكايات عديدة في الباب وكان يقول العلماء: كنا نتعلم تجنب أبواب السلطان كما نتعلم السورة من القرآن.
قلت: وكان لي تلميذ صالح تولى منصب القضاء فكتبت إليه أنصحه كما كتب بن المبارك إلى ابن علية أبياتًا وهي:
ذبحت نفسك لكن لا بسكين ... كما رويناه عن طه وياسين (١)
ذبحت نفسك والسّون قد وردت ... عليك ماذا ترجى بعد سين
ذبحت نفسك بالقضاء عليك وقد ... كنا نعدك للدنيا وللدين
(١) عدلت الأبيات كما هي في بعض المصادر، وهي في الأصل تختلف قليلًا.