للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

من تلاوة وصلاة وذكر لله (وعِزّه استغناؤُه عن الناس) العز: القوة والشدة والغلبة كما في النهاية (١)، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن عز المؤمن غير هذا بل هو استغناؤه وعدم إنزاله لحاجاته بالناس، ومنه استغن عمن شئت تكن نظيره فإنه لا يستغنى عنهم إلا من كملت ثقته بالله تعالى.

واعلم أن مثل هذه الاستعمال النبوية لمثل هذه الألفاظ اللغوية الموضوعة فيها لمعان غير ما استعملها فيها الرسول صلى الله عليه وسلم مثل العز والشرف هنا، ومثل قوله: أتدرون من المفلس من أمتي؟ ثم فسره بمن يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام، "ويأتي قد شتم هذا وسفك دم هذا ... " (٢) الحديث. ذكره المصنف في الذيل، ومثل قوله: "ليس الشديد بالصرعة, بل الذي يملك نفسه عند الغضب" (٣) ومثل قوله: "ليس المسكين بالطوَّاف الذي ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكنه الذي لا يسأل الناس ولا يفطن له" (٤)، ونظائر لهذه الأحاديث كثيرة، يراد بها إيقاظ السامعين وتنبيههم على أن هذه الأسماء وغيرها قد وضعت لمسميات باعتبار معانيها، وهي بهذه المعاني أجدر وأحق وأكثر مناسبة, لأن المعاني هذه بها أحق وأوفق وأليق وليس هذا قادحًا في حكمة الواضع؛ لأنه قد وضعها لمعان هي فيها صحيحه ما خلت عن الحكمة، هذا ويحتمل أن هذه حقائق شرعية نقلها إليها الشارع في عرفة، مع بقائها باعتبار معناها اللغوي غير مهجورة أيضاً، ويحتمل أن المراد أن عنده تعالى هذه الألفاظ لهذه المعاني أي أنكم تسمون مثلاً المفلس من وجد فيه تلك الصفة، والمفلس عنده تعالى من ذكر وقد، نبه ابن القيم على شيء من نحو هذا، إلا أنه


(١) انظر: النهاية (٣/ ٤٦٥).
(٢) أخرجه مسلم (٢٥٨١)، والترمذي (٢٤١٨)، وأحمد (٢/ ٣٧١)، وابن حبان (٤٤١١).
(٣) أخرجه البخاري (٦١١٤)، ومسلم (٢٩٠٩).
(٤) أخرجه البخاري (١٤٧٩)، ومسلم (١٠٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>