للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) قال جار الله -رحمه الله- في الكشاف (١): فإن قلت: ما حقيقة ذات بينكم؟ قلت: أحوال بينكم يعني ما بينكم من الأحوال، حتى تكون أحوال إلفة ومحبة، واتفاق، كقوله: {بِذَاتِ الصُّدُورِ}، وهي مضمراتها، لما كانت الأحوال ملابسة للبين، قيل لها ذات البين، كقولهم: اسقني ذا إنائك يريدون ما في الإناء من الشراب (فإن الله يصلح بين المؤمنين يوم القيامة) علة للأمر، والمراد إذا كان الله تعالى يصلح بين عباده وقد ورد "تخلقوا بأخلاق الله" (٢)، فيحسن منكم ويليق بكم إصلاح ذات البين بين العباد وقد نص الله على الحث على الإصلاح في كتابه الكريم {أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: ١١٤] وندب إلى بعث الحكمين بالإصلاح بين الزوجين، بل أباح لأهل الإيمان مصالحة عُباد الأوثان، وبالجملة فالألفة وعدم الفرقة محبوبة لله كما أن ضدها مكروه مذموم، وإصلاح الله بين العباد يوم القيامة، قد أرشد إليه ما في صدر هذا الحديث الذي أورد المصنف آخره ولفظه: فيما أخرجه الحاكم عن أنس مرفوعًا بلفظ: "رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة فقال أحدهما: يا ربِّ خذ لي، يا ربِّ خذ لي مظلمتي من أخي، فقال الله عَزَّ وَجَلَّ: كيف نصنع بأخيك؟ ولم يبق من حسناته شيء؟ قال يا ربِّ فليحمل من أوزاري؛ لأن ذلك اليوم عظيم يحتاج الناس أن يحمل عنهم من أوزارهم، فقال الله للطالب: ارفع بصرك فانظر، فرفع رأسه فقال: يا ربِّ أرى مدائن من ذهب وقصور من ذهب مكلَّلة باللؤلؤ، لأيِّ نبي هذا؟ أو لأيِّ صديق هذا؟ أو لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطي الثمن، قال: يا ربِّ ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه، قال: بماذا؟ قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا ربِّ، فإني قد عفوت عنه، فقال الله: فخذ بيد أخيك فأدخله الجنة، اتقوا الله


(١) انظر: الكشاف للزمخشري (١/ ٤٤٥).
(٢) انظر: شرح العقيدة الطحاوية (١/ ١١٣)، وذكره الألباني في الضعيفة برقم (٢٨٢٢) وقال: لا أصل له.

<<  <  ج: ص:  >  >>