للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الكلام والمقتضب من وجوه الشرع، وهذا هو الذي دعا به النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس حيث قال: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" (١) والذي عناه علي - عليه السلام - بقوله: إلا فهم يؤتاه رجل في القرآن (٢)، ومن ها هنا اختلف الصحابة في معنى الآية، فأخذ كل برأيه على مقتضى نظره ولا يجوز تفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد، من غير أصل قال الله: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم} [لإسراء: ٣٦] وقال: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٦٩] وقال: {لِتُبيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] فأضاف البيان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. انتهى.

وأما حديث: "من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ" أبو داود والترمذي والنسائي (٣)، قال البيهقي: إذا صح، فإنما أراد -والله أعلم- الرأي الذي يغلب من غير دليل تام، وأما الذي شيده البرهان فالقول به جائز، وقال الماوردي (٤): قد حمل بعض المتورعة هذا الحديث على ظاهره، ومنع أن يستنبط معاني القرآن باجتهاده، ولو صحبها الشواهد ولم يعارض شواهدها نص صريح، وهذا عدول عما تعبدنا بمعرفته من النظر في القرآن، واستنباط الأحكام منه قال الله تعالى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: ٨٣] ولو صح ما ذهب إليه لم يعلم شيء بالاستنباط، ولما فهم الأكثر من كتاب الله شيئًا، وإن صح الحديث فتأويله أن من تكلم في القرآن بمجرد رأيه ولم يعرج على سواء لفظه، وأصاب الحق فقد أخطأ الطريق، وإصابته اتفاق إذ الغرض أنه مجرد رأي لا شاهد له، وفي الحديث:


(١) أخرجه أحمد (١/ ٢٦٦)، والبخاري (٧٥، ١١٧)، ومسلم (٢٤٧٧).
(٢) انظر: روح المعاني (١/ ٦).
(٣) أخرجه أبو داود (٣٦٥٢)، والترمذي (٢٩٥٢)، والنسائي في فضائل القرآن (١١١)، وأبو يعلى (١٥٢٠)، والطبراني في الكبير (١٦٧٢)، وفي الأوسط (٥٠٩٧)، وانظر: ضعيف الترمذي للألباني (٥٧١)، وقول البيهقي في المدخل: في هذا الحديث نظر.
(٤) الإتقان في علوم القرآن (٥/ ٤٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>