للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

صفة وقع، فالكتب قد تضمن التقدير قطعًا، وحينئذ تعلم أن الكتب والتقدير على حسب العلم، والعلم على حسب ما الحقائق عليه، والحقائق متابعة للاختيار، فالتقدير كالتحديد، وتواتر شرعًا تقدير الله لجميع الأشياء، ولو لم يرد ذلك في الشرع لكان في إدراك العقل كفاية كما ذكرنا، لكنه بفضل الله تعالى بإرداف الحجة العقلية بالشرعية، وإذا حققت هذا علمت أنه لا ينبغي أن يختلف في القدر بهذا المعنى المذكور، ولا نعلم فيه بهذا المعنى مخالف إلا ما يحكى عن بعض القدماء أنهم يقولون الأمر أنف أي أنه تعالى عما يقولون لا يعلم الشيء إلا حال وقوعه، وبنفيهم العلم نفوا القدر، ولذا قال الشافعي - صلى الله عليه وسلم - (١) إذا أثبتوا العلم فقد حجوا أنفسهم، قالوا: وقد انقرض القائل بأن الأمر أنف قبل عصر الشافعي - رضي الله عنه - وبهذا نعلم إثبات الفريقين للقدر؛ لأنهم أثبتوا العلم إلا أنهم اختبطوا فيه بعد ذلك، وقالوا: إذا كان الله قد قدَّر الحقائق على ما علم أنها ستكون فلا يمكن فيها تقديم ولا تأخير، وكذلك قالوا في العلم إلا أنه اشتهر عنهم ذلك في القدر، وله جوابه فيه أكثر مع أنهما من واد واحد ثم أخذتها الأشعرية دليلاً على الجبر وحين لهجت بالقدر زاعمة أنه دليل لها على الجبر ونفي الاختيار، قائلهم المعتزلة بنفيه مساعدة لهم على معناه، وفرارًا عما التزمته الأشعرية، وقد [[ثبَّته]] المحققون منهم، لهذا قال السيد الشريف الجرجاني: لو كان سبق العلم مستلزمًا لجبر ونفي الاختيار للزم أن الرب تعالى وتنزَّه مجبور في أفعاله غير مختار فيها؛ لأنه قد سبق علمه بها كسبق علمه بأفعال عباده.

قلت: ونعم ما قال، وهذا القدر كاف في هذا المقام بل فيه زيادة على قدره، والمسألة مبسوطة في كتب المقالات، وقد بسطنا بعض البسط في كتابنا: "إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة" ولعلنا لا نعيد البحث في هذا عند سياق أحاديث القدر


(١) أورده ابن حجر في الفتح (٣/ ٢٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>