للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

لَيْسَ لِي بِهِ عِلْم وَإلَاّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ} [هود:٤٧]، فهذا ليس صيغة طلب وإنما هو إخبار عن الله أنه إن لم يغفر له ويرحمه خسر، ولكن هذا الخبر يتضمن سؤال المغفرة وكذلك قول آدم - صلى الله عليه وسلم -: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: ٢٣] هو من هذا الباب ومن ذلك قول موسى - عليه السلام -: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: ٢٤] فإن هذا وصف لحاله بأنه فقير إلى ما أنزل الله إليه وقد روى الترمذي وغيره عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من شغله قراءة القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" (١)، وقد سئل سفيان بن عيينة أفضل الدعاء يوم عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، فذكر هذا الحديث، وأنشد قول أمية بن أبي الصلت:

أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء

إذا أثنى عليك المرء يوماً ... كفاه من تعرضه الثناء

قال: فهذا مخلوق يخاطب مخلوقاً فكيف بالخالق تعالى، ومن هذا الباب قول أيوب - عليه السلام -: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: ٨٣] فوصف نفسه ووصف ربه بوصف يتضمن سؤال رحمته بكشف ضره وهي صيغة خبر تضمنت السؤال، وهذا هو من باب حسن الأدب في السؤال، والدعاء فقول القائل لمن يرغب إليه ويعظمه: أنا جائع، أنا مريض، حسن أدب في السؤال، وإن كان في قوله: أطعمني وداوني ونحو ذلك، مما هو بصيغة الطلب طلب جازم من المسئول، فذاك فيه إظهار حاله وإخباره على وجه الذل والافتقار المتضمن لسوء الحال لا بالمقال، وهذا فيه الرغبة التامة والسؤال المحض بصيغة الطلب، وهذه الصيغة صيغة الطلب والاستدعاء إذا كانت ممن يحتاج


(١) أخرجه الترمذي (٢٩٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>