للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالرقية للإباحة لا للندب حيث قال: ولا يكره منها ما كان خلاف ذلك والأقرب أنه للندب بل الأصل فيه الوجوب إلا لصارف وقد تكرر الأمر به كما هنا وحديث: "استرقوا لها" (١) وقد كان يأمر بالرقية ويفعلها ويعلمهم التعوذات وبأقل من ذاك يثبت الندب إلا أنه يشكل عليه أنه - صلى الله عليه وسلم - لما وصف السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب بأنهم لا يرقون (٢) ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون فإنه يفهم منه أن فعل الرقى مباح وإن ترك المندوب لا يفضل على فعله.

ولعله يجاب بأن فضيلة الصبر على الألم والتجرع بمرارة السقم والرضا بما نزل من الألم رتبة تربو على فضيلة فعل المندوب ولا يبلغ كنهها ولا يدنو إليها فالمتداوي فاعل للمندوب فيثاب على فعله، والصابر على الألم القارس لذلك أكثر ثوابًا وأعلى رتبة من حيث الصبر والرضا لا من حيث ترك المندوب أو لأن حظ النفوس في التداوي وطلبها للعافية لا يكاد يتمحص فيه قصد الندب، وقال ابن الأثير (٣): إنما ترك في الحديث صفة الأولياء المعرضين عن أسباب الدنيا الذين لا يلتفتون إلى شيء من علائقها وتلك درجة الخواص لا يبلغها أحد غيرهم وأما العوام فرخص لهم في التداوي والمعالجات ومن صبر على البلاء وانتظر الفرج من الله بالدعاء كان من جملة الخواص والأولياء ومن لم يصبر رُخّص له في الرقية والدواء والعلاج.

قلت: ولا يقال يرد عليه أنه كيف يقول التداوي والاسترقاء طريقة العوام وقد ثبت أنه تداوى سيد البشر وداوى ورقى لأنا نقول الكلام في الحديث في الأمة لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "يدخل من أمتي" الحديث، أو لأن التداوي في حقه - صلى الله عليه وسلم - واجب لأنه مأمور بما لا يتم إلا بالعافية من تبليغ أحكام الله والجهاد لأعدائه


(١) أخرجه البخاري (٥٤٠٧).
(٢) وفي قوله ولا يرقون كلام لابن تيمية.
(٣) النهاية (٢/ ٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>