للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: تحير الباري محال، وإنما وقع السؤال ممن سأل لأنه لم تتقرر بعد عنده قواعد العقائد، وجوابه بقوله عليه السلام بذلك فيه إشعار بأن الله لا يحويه مكان لا قبل وجود السماء ولا بعد وجودها. ولا يعني أنه كان في سحابٍ تعالى عن ذلك. وقد روى الحديث كذا الراغب في مفرداته، ورواه الهروي في غريبه: «كان في عمايته تحته هواء وفوقه هواء». قال أبو عبيدٍ: العماء: السحاب في كلام العرب، ولا يدري كيف كان لك العماء. وحكي عن أبي الهيثم أنه قال: هو في عماء يتصور. وقال: هو كل أمر لا يعقله بنو آدم ولا يبلغ كنهه الوصف ولا تدركه الفطن. وقال بعضهم: معناه أين كان عرش ربنا؟ كقوله تعالى: {واسأل القرية} [يوسف:٨٢]. وقال: ويدل على ذلك قوله: {وكان عرشه على الماء} [هود:٧] وفي الحديث: «تعوذوا بالله من الأعميين»؛ الحريق والسيل. وفي الحديث: «من قتل تحت رايةٍ عميةٍ». قال بعضهم: هو الإصر الأعمى كالعصبية لا تستبين وجهه.

وأما عما يعمو فمادة أخرى ومعناه الخضوع، وقد يراد به التحبر. وفي الحديث: «مثل المنافق مثل شاةٍ بين ربيضين تعمو إلى هذه مرةً وإلى هذه مرةً». وفي الحديث: «نهى عن الصلاة إذا قام قائم الظهيرة ضكة عني؛ قال أبو زيدٍ: هو أشد الهاجرة. قال: أبو شمر: شمر: كأنه تصغير أعمى؛ يقال: لقيته صكة عمي. قالوا: لا يقال ذلك إلا في حمارة القيظ. والأصل فيه أن الرجل إذا خرج نصف النهار لم يتهيأ له أن يملاً عينيه من عين الشمس فأرادوا أنه تصغير كالأعمى.

قلت: وتحقيقه أن المنزل منزلة الأعمى يصك جبينه بوضع يده على جبينه لأجل ضوء الشمس، فانتصابها على المصدر، ثم وضعت موضع الظرف كقولهم: مقدم الحاج، وخفوق النجم.

<<  <  ج: ص:  >  >>