الشيطان، انتهى. قوله: إن للشيطان تسلطًا .. إلى آخره كلامٌ صعبٌ لا ينبغي ولا يجوز قوله، ولذلك ذكرته منبهةً عليه. وأحسن ما قيل في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تلي قوله تعالى:{أفرأيتم اللات والعزى ومناه الثلاثة الأخرى}[النجم: ١٩ - ٢٠] قال: ((الشياطين تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترجى)). فلما سمع قومه ذلك من الشيطان، وسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخرها سجدوا معه ظنًا منهم أنه هو القائل لذلك.
ولا غرو في ذلك فلله تعالى أن يمتحن عباده بضروبٍ من المحن. وأما ما يروى أنه هو عليه الصلاة والسلام القائل لذلك، من وسوسةٍ على سبيل الغلط فحاشا لله، بل الشيطان هو القائل المسمع للناس. فلما عرف النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أكذبه وعرف الناس أن الشيطان هو الذي قال ذلك فتنةً واختبارًا، ليزداد المؤمنون إيمانًا والمنافقون شكًا وامتحانًا.
قوله:{ولأمنينهم}[النساء: ١١٩] يعني: لأجعلن لهم أمنيةً بما أشبههم فيه من أمور الدنيا. ووزن أمنيةٍ أفعولةٌ، وأصلها: أمنوية كأعجوبة، فأدغمت بعد القلب كمرمى.
وقيل: إنما قيل للقارئ متمنيًا، وللقراءة تمنيًا، لأنه إذا مر بآية رحمةٍ تمنى دخولها، وبآية عذابٍ تمنى دفعه. وقال بعضهم: كأن المنى مقلوبٌ من المين، بمعنى أن التمني يكون كذبًا كما تقدم تقديره. والمين: الكذب، فيقال: منى يمني، ومان يمين، أي كذب. والتحقيق ما قدمناه.
فصل الميم والهاء.
م هـ د:
قوله تعالى:{ألم نجعل الأرض مهادًا}[النبأ: ٦] المهاد والمهد: المكان الموطأ، من مهدت الأرض، ومهدتها، أي وطأتها، وقرئ في طه:{مهدًا} و {مهادًا}[طه: ٥٣] فالمهاد كالفراش، والمهد الفرش، وزنًا ومعنىً.