للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حفظ الشيء ومراعاته حالًا بعد حالٍ، فسمي الموثق الذي يلزم مراعاته عهدً. وعهده تعالى تارةً يكون بما ركزه في عقول المكلفين وتارةً يكون بما أمرهم به في كنابه وعلى ألسنة رسله، وتارةً بما يلزمه المكلف نفسه وإن كان ليس بلازم له في أصل الشرع كالندور، والكل مطلوب فيها الوفاء بها. وعلى ذلك قوله تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولًا} [الإسراء:٣٤] وقوله تعالى: {وأوفوا بعهدي} أي اعملوا بما أمرتكم به وانتهوا عما نهيتكم عنه أوف لكم بعهدكم بأن أجازيكم بالحسنى وزيادة كما وعدتكم. وقوله: {إن العهد كان مسؤولًا} يجوز أن يسأل فيقال: ما فعل صاحبك؟ هل وفى بك أم لا؟ ولا غرو في ذلك فإن القدرة صالحة أن تسأل فيها المعاني كما تسأل الأجسام الناطقة، وهو قريب من قوله تعالى: {وإذا الموءودة سئلت} [التكوير:٨] توبيخًا بفاعل ذلك. وقيل: المعنى مسوؤلًا عنه عن متقلديه هل حفظوه أو لا؟ وقوله: {ومنهم من عاهد الله} [النوبة:٧٥]. المفاعلة هنا باعتبار ما أمر الله خلقه، فهذا عهده إليهم، والنزامهم بذلك عهدهم إليه فتحققت المفاعلة. ومثله: {ومن أوفى بما عاهد عليه الله} [الفتح:١٠] ويجوز على بعدٍ أن يكون مثل عاقبت وطارقت النعل.

قوله تعالى: {لا ينال عهدي الظالمين} [البقرة:١٢٤] أي لا يصيب عهدي من كان ظالمًا، أي أماني. وقيل: إن المراد بالعهد التولية والتمكين من عهد فلان إلى فلانٍ الخلافة. والمعنى: لا أولي ولاية شرعية من كان ظالمًا، يقوي متقويًا ويغلب متغلبًا، فلا عهد له شرعًا. وقال ابن عرفة: أي لا يكون الظالم إمامًا. قوله {ألم أعهد إليكم} [يس:٦٠]. العهد هنا قيل: الوصية. ومثله: {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل} [طه:١١٥] فلا حاجة إلى إخراجه عن موضوعه مع صحته إذ المعنى: ألم آمركم بعدم عبادة الشيطان؟ وقد أوصلنا أمرنا إلى آدم؟ قوله: {فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} [التوبة:٤] أي ميثاقهم وما هادنتموهم عليه.

قوله: {والذين ينقضون عهد الله} [الرعد:٢٥] قيل: العهد هنا: الضمان؛ يقال: عهد إلى فلان في كذا، أي ضمنته. وقيل: هذا في قوله تعالى؛ {وأوفوا بعهدي} أي بما ضمنتكم من طاعتي. {أوف بعهدكم} بما ضمنتم من الفوز بالجنة. يقال: أمرته بأمرٍ واستعهدته من آخر، أي ضمنته بألا يفعله. وأنشد للفرزدق. [من الطويل]

<<  <  ج: ص:  >  >>