للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقتلت الخمر بالماء: أي مزجتها لكسر سورتها، تشبيهًا بقتل الحي، وكذلك قال بعضهم، والصحيح أن ذلك هو المفاعلة، والمعنى صار بحيث يتصدى لمحاربة الله تعالى؛ فإن من قاتل الله تعالى فمقتول، ومن غالبه فمغلوب. وذلك أن المفاعلة المحاربة وتحري القتل، ولذلك قال تعالى: {قاتلوا الذين يلونكم} [التوبة: ١٢٣] وقوله: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم} [البقرة: ١٩١] قرئ: "ولا تقتلوهم ... فغن قتلوكم" بالفعل والمفاعلة، ومعناهما واضح، إلا أن معنى قوله: {فإن قتلوكم ... فاقتلوهم}، أي فإن قتلوا بعضكم، أو فإن عزموا وشارفوا قتلكم وتحققتم منهم ذلك أو غلب على ظنكم، وإلا فبعد أن تقتلوا كلهم حقيقةً يستحيل أن تقتلوا بعد ذلك غيرهم، وقال ابن عرفة: وهذا من فصيح الكلام؛ يقال: قتلنا بنو فلانٍ: أي قتلوا منا، وأنشد الأخطل: [من الوافر]

١٢٣٣ - لقد بلغوا الشفاء فخيرونا ... بقتلى من يقتلنا رياح

قوله: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاقٍ} [الإسراء: ٣١] قيل: عنى أنه وأد البنات، وكانت محاويجهم تفعله. وقيل: عنى بذلك العزل في الوطء، ولذلك سماه النبي صلى الله عليه وسلم: "الوأد الخفي". ولذلك اختلف في جوازه في الحرة إلا بإذنها. وقيل: معناه النهي عن منع تعليم الأولاد العلم، واشتغالهم بالحرف الملهية عن العلم خشية الفقر؛ فإن الجاهل ميت وإن كان حيًا، ويؤيده قوله تعالى: {أو من كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس} [الأنعام: ١٢٢] الآية، وإليه نظر من قال: [من البسيط]

١٢٣٤ - وعاش قوم وهم في الناس أموات

وقد وصفهم بذلك حيث قال تعالى: {أموات غير أحياءٍ وما يشعرون أيان يبعثون} [النحل: ٢١].

<<  <  ج: ص:  >  >>