قلبها. وجعله قويًا عند ذي العرش تنبيهًا أنه إذا اعتبر بالملأ الأعلى فقوته إلى حد ما، ولذلك أفرد القوة ونكرها. وهذا بخلاف وصفه في موضعٍ آخر بقوله:{علمه شديد القوى}[النجم: ٥] يقول: إن جبريل علم النبي صلى الله عليه وسلم ما أوحي به إليه عن الله تعالى فناسب أن يصفه بشديد القوى فعرفه وجمعه تنبيهًا أنه إذا اعتبر بهذا العالم وبالذين يعلمهم ويفيدهم هو كثير القوى عظيم القدرة.
قوله:{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ}[الأنفال: ٦٠] قيل: هي المري، وقيل: إن ذلك مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل: هو السلاح والعدة. ثم القوة تستعمل على أوجه، أحدها: بمعنى القدرة على الشيء والإطاقة له نحو: هو قوي على عمل كذا، ومنه:{خذوا ما آتيناكم بقوةٍ}، الثاني: للتهيؤ الموجودة في الشيء نحو قولنا: الإنسان كاتب بالقوة. وأن يقال: النوى بالقوة نخل أي أنه متهيئ لأن يجيء منه ذلك. وأكثر من يستعمل القوة بهذا المعنى الفلاسفة، ويقولون: ذلك على وجهين: أحدهما أن يقال لما كان موجودًا، فيقال: كاتب بالقوة أي معه المعرفة لكنه ليس ملتفتًا لها. والثاني: أن يقال: هو كاتب بالقوة وليس معه معرفة بذلك ولكنه قابل للتعلم في الجملة، إذ هو من جنسٍ يمكن تعلمه ذلك. ويقابلونها بالفعل فيقولون: هذا كاتب بالفعل أي متلبس بذلك.
قوله تعالى:{تذكرة لكم ومتاعًا للمقوين}[الواقعة: ٧٣] قيل: هم الذين فني زادهم. وحقيقتهم النازلون بالأرض القواء، وهي القفز من الأرض؛ يقال: أقوى الرجل: إذا صار في قواءٍ، كأترب: إذا صار في التراب. ويقال لها القيء أيضًا. وفي حديث عائشة رضي الله عنها:"وبي رخص لكم في صعيد الأقواء" الأقواء: جمع قواءٍ وهو القفر من الأرض، قاله الهروي وفيه نظر من حيث إن فعالاً لا يطرد جمعه على أفعال. وفي الحديث أيضًا؛ "صلى بأرضٍ قي" والأصل قوء فقلبت الواو الأولى ياء ثم قلبت الثانية كذلك لأنه صار من باب ميتٍ وسيدٍ. وقيل: إنما قيل: لهم مقوون لأن من نزل بالقفر حصل له فقر، وفي عبارة بعضهم وتصور من حال الحاصل في القفر الفقر، وهو تجانس بديع.