ذاته ويسمع كلامه؛ كتبليغ جبريل عليه الصلاة والسلام للنبي صلى الله عليه وسلم في صورة معينةٍ، وإما بسماع كلامٍ من معاينةٍ كسماع موسى عليه السلام كلام الله، وإما بإلقاءٍ في الروع كما ذكر عليه الصلاة والسلام "إن روح القدس نفث في روعي" وإما بإلهامٍ نحو: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه}[القصص: ٧]. وإما بتسخير نحو قوله تعالى:{وأوحى ربك إلى النحل}[النحل: ٦٨]، أو بمنامٍ كقوله عليه الصلاة والسلام:"انقطع الوحي وبقيت المبشرات رؤيا المؤمن".
قال: فالإلهام والتسخير والنوم دل عليه قوله: {إلا وحيًا أو من وراء حجاب}، وتبيلغ جبريل في صورةٍ معينةٍ دل عليه قوله تعالى:{أو يرسل رسولاً} انتهى. يعني: أن الوحي يقع على أوجه أحدها: الوحي من الله لأنبيائه على لسان ملكٍ أو من غير ملكٍ، وهذا الوحي الخاص لا يشرك الأنبياء فيه غيرهم من الشر. وقد وقع لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم على أوجهٍ حسبما هو مذكور عنه عليه الصلاة والسلام في الأحاديث المشهورة. وثانيها أن يكون إلهامًا. وثالثها أن يكون إشارة. ورابعها أن يكون كتابةً. قيل: خط لهم في الأرض: {سبحوا بكرةً وعشيًا}. وخامسها أن يكون بالقهر والتسخير. وسادسها أن يكون أمرًا:{وإذ أوحيت إلى الحواريين}[المائدة: ١١١] أي أمرتهم.
وهل ذلك بطريق الاشتراك أو الحقيقة والمجاز؟ يجوز الأمران. والمرجح عند الأصوليين أنه إذا دار الأمر بين الاشتراك وبين الحقيقة والمجاز فالثاني أولى. وقيل: بالعكس.
ويقال: وحى وأوحى بمعنى وومى وأومى. وأنشد للعجاج:[من الرجز]
١٧٩١ - وحى لها القرار فاستقرت
وقوله تعالى:{وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم}[الأنعام: ١٢١] أي يوصلون ذلك بالوسوسة. وهذا كما أشار إليه بقوله تعالى:{الذي يوسوس في صدور الناس}[الناس: ٥] وقد يطلق الإيحاء على أصوات الحيوانات غير الأناسي. وأنشد