الملك الأشرف، وزادت مروءته وعظمت همته وشاع خيره وبره، وكان من العجائب أنه مع فرط كرمه في غاية البخل على الطعام حتى قال لي القاضي كريم الدين بن عبد العزيز ناظر الجيش عنه إنه سمعه يقول: إذا رأيت شخصاً يأكل طعامي أظن أنه يضربني بسكين هذا أو معناه هذا مع بذله الآلاف، قرأت بخط ابن القطان وأجازنيه أنه بلغت مرتباته لأهل الخير في الشهر ثلاثة آلاف، وكان كثير الظرف واللطف والنوادر.
قلت: لم ألق أحداً ممن لقيه إلا ويحكي عنه في المروءة والجود ما لا يحكيه الآخر حتى من لم يكن بينه وبينه معرفة، وفي الجملة فكان من محاسن الدنيا مع الدين والصيانة وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه أنه كان أول أمره شاهداً عند ابن البابا، وكان عالماً بالتفسير ودرس فيه بالمنصورية، وعمل على التسهيل شرحاً، وأول ما ولي نظر البيوت ثم نظر الجيش، ولما تجهز السلطان إلى الحج كان هو وعك من أول شعبان واستمر فجهز ولده تقي الدين عبد الرحمن في خدمة السلطان فاستراح هو من الفتنة التي وقعت، ثم مات بعد قليل في ثاني عشر ذي الحجة.
موسى بن فياض بن موسى بن فياض بن عبد العزيز النابلسي أبو البركات الحنبلي، ولد قبل القرن واشتغل ببلاده ثم قدم دمشق، وسمع من عيسى المطعم ويحيى بن سعد وغيرهما، وولي قضاء حلب سنة ثمان وأربعين وسبعمائة واستمر بها نيفاً وعشرين سنة، وهو أول حنبلي قضى بها استقلالاً، مات في ذي القعدة بعد أن أعرض عن الحكم في سنة أربع وسبعين، واستقر ولده أحمد مكانه وانقطع هو للعبادة.
ومات فيها من الأمراء: محمود شاه بن دنيا، وكان قد ولد على فراش الملك الناصر وأراد الصالح إسماعيل أن يستلحقه فلم يتم ذلك.