للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان قد استولى على عَينْتاب وأسكن بها جماعةً من مماليكه وأتباعه، ولما بلغ أهلَها هزيمتهُ من الحلبيينَ وثبوا على مَن عندهم فانتزعوا منهم القلعة والمدينة، فلم يفجأهم إلّا الخبر بانهزام إينال الجكميِ ومَن معه، فاجتمعوا على حماة، فلما أصبحوا ليقتتلوا انجفل العرب ورحلوا، واستمر تغرى بَرْمُش ومن معه.

فلما تراءى الجمعان انهزم تغرى بَرْمُش ومن معه، فاحتووا على وطاقهم، واستمرّت هزيمتهم إلى صِهْيون ثم إلى الثغر، ولم يَبْقَ منهم سوى مائتين أول أقّل، ثم استمروا إلى أنطاكية فاجتمع عليهم جمع من الفلاحين ورموا عليهم بالسّهام وهجموا عليهم فأسروهم، وصادف ذلك وصول الخبر إلى العسكر السّلطاني وهم على خان طومان خارج حلب، فطلبوا المأسورين فأحضروهم إلى الأمير قطُج فقيّدهم، واجتمع هو وبقية العسكر في حلب في العشر الأخير من ذي القعدة وكاتبوا السّلطان، فوصل الأمر بقتلهم، فقتلوا تغرى بَرْمُش وابن سقلسيز (١) فى سابع عشر ذي الحجة ثم ظهر لتغرى بَرْمُش مال آخر غير ما كان أخِذ لَه لما هرب أولًا، فقيل إن جملة ما أخذ له من العين خاصة أكثر من سبعين ألف دينار.

وكان أصل تغرى بَرْمُش من أولاد التركمان ببهَسْنا، وكان أبوه من الأجناد يقال له أحمد بن المصري، فولد له حسن خجا وحسين بك وثالث (٢)، فلما وقعت الفتنة العظمى اللَّنْكية مات أبوهم، وفر حسين فدخل حلب وهو مراهق أو حين بلوغه، فاستخدمه بعض الأمراء. ثم انتقل بعده إلى الأمير طوخ، وكان سَمَّى نفسه لما تقررّ في الخدمة تغرى بَرْمُش، فلما قُتل طوخ في وقعة شيخ مع نوروز بدمشق اتصل تغرى بَرْمُش بخدمة جقمق الدويدار واستمرّ عنده إلى أن رجعوا إلى القاهرة، ثم كان في خدمته لمّا ولي نيابة دمشق وكان دُوُيْدَارًا عنده.

فلما أمسك جقمق الأمير برسباى -الذي ولي بعد ذلك السلطنة- قام تغرى بَرْمُش بأمره وخدمته وهو في الاعتقال وواصله بالبرّ، فرعى له ذلك، ولمّا صار سلطانًا استدعى به من الشام فأمّره، ثم نقله فصار أمير آخور كبيرًا وكان جرده إلى حلب سنة ٣٢، ثم قررّه في نيابة حلب لما نُقل إينال الجكمي إلى نيابة الشام فقدمها في سنة تسع وثلاثين فكان من أمره ما كان.


(١) واسمه طرعلى سقلسيز، ويرسم أيضا "صقلسيز" بالصاد عوض السين الأولى.
(٢) هذه الكلمة غير واردة في نسخة هـ.