للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سنة ست وسبعين وسبعمائة]

فيها طلع النيل على عادته وأوفى (١) في ربيع الأَول رابع عشرى مسرى.

واستهلت والغلاءُ (٢) قد تزايد جدا إلى أَن بلغ الإردب بمائة وعشرة (٣) ثم بلغ في شعبان مائة وخمسة وعشرين وقيمتها بالذهب إذ ذاك ستة (٤) مثاقيل وربع، وبيعت إذ ذاك دجاجة واحدة بأَربعة دراهم، وصار أَكثر الناس لا يقدر إلا على النخالة: كل قرص أسود بنصف (٥) درهم، وأَكل الفقراءُ (٦) السلق والطين (٧)، وكادت الدواب أَن تعدم لكثرة الموت بها وأَكلوا الميتات، وأَمر السلطان بتفرقة الفقراء على الأغنياء، فكان على الأمير المقدم أَلفٍ: مائةُ فقير، وعلى كل أَمير بعددِ مماليكه ونحو ذلك، وعلى الدواوين كل واحد بحسبه. وعلى التجار كذلك، ونوديَ في البلد بأنَّ من سأَل في الأَسواق صُلب. ومَن تصدَّق عليه ضُرب.


(١) الوارد في السلوك، ورقة ٨٣ أ، أن الوفاء بلغ يومذاك ست عشرة ذراعا وحينئذ فتح الخليج على العادة.
(٢) راجع تاريخ البدر للعيني، ورقة ٩٠ أ.
(٣) بلغت أثمان القمح هذا الحد في أوائل جمادى الثانية من السنة، راجع السلوك، ورقه ٨٣ ب.
(٤) عبارة "ستة مثاقيل وربع وبيعت" ساقطة من ز.
(٥) الوارد في السلوك، ورقة ٨٤ أ، أن الخبز الأسود بلغ كل رطل ونصف منه بدرهم، والمذكور في جواهر السلوك، ورقة ٢٦٥ ب، أن أكثر الناس صاروا يأكلون خبز الفول والنخالة ويباع كل رغيف منه بثمانية فلوس جدد؛ أما فيما يتعلق بالفلوس الجدد فراجع كوركيس عواد في كتاب النقود العربية، ص ١١٨، ويذكر ابن دقماق في الجوهر الثمين، لوحة ١٦٨ "أن كل رطلين إلا ربعا من الخبز كانت تباع بدرهم وأن الخبز صار أسود كالكسب"، وابن دقماق شاهد عيان لهذا الغلاء.
(٦) نعت العيني هؤلاء الفقراء في تاريخ البدر، ورقة ٩٠ أ، وفي عقد الجمان. لوحة ١٨٣ بالحرافيش فقال: "وفي رابع عشري شعبان رسم السلطان بأن تفرق الحرافيش على الأمراء والدواوين والتجار وغيرهم، على كل مقدم مئة حرفوش وعلى غيرهم كل بقدره، ونودي في القاهرة ومصر ألا يتصدق أحد على حرفوش وأن أي حرفوش سأل صلب، فأخذ كل أحد من عين له منهم وجعلهم في مكان يطعمهم ويسقيهم ولا يمكنهم من السؤال". وقد استعمل جواهر السلوك ورقة ٢٦٥ ب هذا اللفظ أيضا وكذلك ابن دقماق في الجوهر الثمين لوحه ١٦٨ بمعنى فقير وعرف دوزي Dozy : Sapp. Dict. Ar t.l p. ٢٧٣ الحرفوش بأنه رجل من أدنى طبقات المجتمع. انظر أيضا السخاوي: الضوء اللامع ٥/ ٨٦، ويلاحظ أن البعض من مؤرخي مصر المملوكية استعملوا كلمة حرفوش بمعنى السائل.
(٧) الذي يشير إليه ابن حجر في المتن من أكل الناس الطين قصة أوردها المقريزي في السلوك، ورقة ٨٤ أ من أن البنائين كانوا قد رموا طينا في أحد السجون لعمارة حائط به فلم يكن من المسجونين - وقد اشتد بهم الجوع - إلا أن أكلوه، وعلى هذا فالتعميم - كما هو وارد في المتن - غير صحيح بل هو حادث فردي، إذ لا تعثر في كتابات مؤرخي هذه الحقبة على ما يشير إلى أن ذلك كان عاما.