محمد بن محمد بن محمود بن أحمد الرومي، البابرتي أكمل الدين بن شمس الدين بن جمال الدين، ولد سنة بضع عشرة وسبعمائة واشتغل بالعلم ورحل إلى حلب، فأنزله القاضي ناصر الدين بن العديم بالمدرسة الساوجية، فأقام بها مدة، ثم قدم القاهرة بعد سنة أربعين فأخذ عن الشيخ شمس الدين الأصبهاني وأبي حيان، وسمع من ابن عبد الهادي والدلاصي وغيرهما، وصحب شيخون واختص به، وقرره شيخاً بالخانقاه التي أنشأها وفوض أمورها إليه فباشرها أحسن مباشرة، وكان قوي النفس عظيم الهمة، مهاباً، عفيفاً في المباشرة، عمر أوقافها وزاد معاليمها، وعرض عليه القضاء مراراً فامتنع، وكان حسن المعرفة بالفقه والعربية والأصول، وصنف شرح مشارق الأنوار، وشرح البزدوي والهداية وعمل تفسيراً حسناً وشرح مختصر ابن الحاجب وشرح المنار والتلخيص وغير ذلك، وما علمته حدث بشيء من مسموعاته، وكانت رسالته لا ترد مع حسن البشر والقيام مع من يقصده والإنصاف والتواضع والتلطف في المعاشرة والتنزه عن الدخول في المناصب الكبار، بل كان أصحاب المناصب على بابه قائمين بأوامره مسرعين إلى قضاء مآربه، وكان الظاهر يبالغ في تعظيمه حتى أنه إذا اجتاز به لا يزال راكباً واقفاً على باب الخانقاه إلى أن يخرج فيركب معه ويتحدث معه في الطريق، ولم يزل على ذلك إلى أن مات في ليلة الجمعة تاسع عشر شهر رمضان، وحضر السلطان فمن دونه جنازته، وأراد السلطان حمل نعشه فمنعه الأمراء وحملها أيتمش، وأحمد بن يلبغا وسودون النائب ونحوهم، وتقدم في الصلاة عليه عز الدين الرازي ودفن بالخانقاه المذكورة.