فسكنت القضية، وصعد الكوراني على عادته فبالغ في التنصل، فدار حميد الدين على أعيان الحنفية فقال لهم: هذا الرجل قد سب أبا حنيفة لأنه من أسلافي وهو يعرف أنني من ذريته، وكان مرة استأذن له على السلطان فقال له: إن ابن أبي حنيفة بالباب - إلى غير ذلك، فتعصبوا له ودار معه ابن عبيد الله، فدبروا أمرهم إلى أن ظهر لهم أن يكيدوه بقاصد ملك الشرق فاجتمعوا به، فوجدوا فقهيه في غاية الحنق من الكوراني، لأنه كان اجتمع به أول ما قدموا فحصلت له منه إساءة ثم لما أضافهم السلطان عنده بدت من الكوراني في حقه إساءة أخرى، فانتصف هو منه بحضرة السلطان إدلالاً عليه لكونه في ضيافته، وما استطاع الكوراني بنتصف فانضاف حقد هذا الفقيه على الكوراني إلى ما عنده من شدة العصبية للحنفية، فطلع إلى السلطان فشنع على الكوراني، وكان فيما قال إن الخبر إذا وصل إلى ملك الشرق مع شدة اعتقاده في أبي حنيفة يتغير خاطره وينسبكم إلى التعصب على الإمام، فحرك عنده ساكناً كامناً فأمر بطلبه في الحال وأمر بسجنه في البرج، وأرسل إلى القضاة أن يعقدوا له مجلساً، فاجتمعوا في صبيحة الثلاثاء الثامن والعشرين من جمادى الاولى، فآل الأمر إلى أن وقعت الدعوى عليه عند القاضي الحنفي، فأمر بنزوله معه إلى منزله فانزل ماشياً، فشهد عليه ابن عبيد الله وانضاف إليه بدر الدين محمد ابن حسن التنسي وهو من الشهود بالقاهرة، وهو ابن أخت القاضي - بدر الدين بن الأمانة، وهو مشهور بالتجوز في شهادة الزور، ولكن كان كاتب السر قربه وأدناه وسافر به معه إلى دمشق، فحصل به مقاصد كثيرة وتمول هو بجاه كاتب السر وعاد -، فكانت له في بابه حركات كثيرة، والناس منه في حنق شديد القضاة ومن دونهم، فاتفق أنه كان عنده من الكوراني كمين فذهب وشهد عليه، فأرسل كاتب السر يعلم الحنفي أن القضاة لا تقبل التنسي، فاتفق حضور بعض الأطباء وهو ابن أخت شمس الدين ابن عفيف الذي قتله الاشرف في أواخر عمره فذكر أنه كان دخل لكاتب السر في ضرورة فسمع الكائنة فشهد بها، فاجتمعوا يوم السبت المذكور وكان ما كان.
وفيه قدم نائب الشام جلبان وقدم تقدمة كبيرة مع ثمانين جمالاً.
وخلع عليه مراراً، وأعيد إلى بلده على وظيفته، فسار قبله بأيام قاضي الشام الحنفي مطلوباً بسبب ما نقل عنه