يضرب عرياناً فشفع فيه الحنفي فضرب خمسة وسبعين عصاً، وأمر بنفيه فأخرج في الحال إلى التربة، وكان السبب في ذلك أن شخصاً يقال له حميد الدين ابن تاج الدين الفرغناني قدم من دمشق يطلب وظيفة بدمشق، فكتب له السلطان بها فتوجه إلى دمشق، فوقف في طريقه القاضي الحنفي وهو شمس الدين الصفدي فرجع ساخطاً، فذكر للسلطان أن الحنفي وقع في حق أمهات المؤمنين وقص قصة شنيعة فبدر الكوراني بالإنكار عليه، وهذا الكوراني كان قدم علينا من نحو عشر سنين طالب علم وهو في غاية القلة، فقرأ علي البخاري ودار على بعض الشيوخ، وتردد إلى كاتب السر البارزي فاتفق حضور كتاب من بلاد العجم فاستقرأه إياه، فأجاد في تعريبه فقربه إلى السلطان فقرر له راتباً، وترقى بعد ذلك إلى أن صار في هذه الدولة عيناً لكاتب السر عند السلطان، فصار يجالس السلطان في كل يوم - من أول النهار إلى قرب الظهر لا ينقطع، وعظم قدره في أعين الناس على العادة بالوهم وثقل في نفس الأمر على السلطان وهو مطبوع على الاحتمال.
فلما أنكر على حميد الدين اتفق حضورهما عند كاتب السر فتقاولا في ذلك فقال له حميد الدين: أنت حمار ما تفهم فأجابه بان الحمار أنت وأبوك وأجدادك وأسلافك وكان في المجلس جماعة، منهم بدر الدين محمود بن عبيد الله، وكان قد سعى في قضاء دمشق عقب إينال الجكمي، وغضب السلطان على القضاة الذين وافقوه على الخلاف، ومنهم الصفدي فعزل الشافعي لذلك وولي بهاء الدين ابن حجي، فطمع ابن عبيد الله أن يعزل الصفدي فسعى في ذلك فتوقفوا في قضيته، وبالغ فيها الكوراني المذكور، فبادر حميد الدين بالشكوى إلى السلطان واستشهد بابن عبيد الله، فشهد له - بأن الكوراني قال له، ولم يذكر ما بدا به حميد الدين.
وكان تاج الدين والد هذا يدعى أنه من ذرية الإمام أبي حنيفة وأملى لنفسه نسباً إلى يوسف بن أبي حنيفة، يعرف من له أدنى ممارسة بالأخبار تلفقه، فكتبه عنه الشيخ تقي الدين المقريزي، فطلب السلطان شاهداً آخر فأحضروا آخر فلم يشهد بشيء