للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي السابع والعشرين من ذى القعدة وصلت رأسُ إينال الجكمي وطيف بها على رمح، واتفّق قبلَ بيسير الوقعة بين العسكر المصري وتغرى بَرْمُش نائب حلب ومن انضم معه بالقرب من حماة، فانكسر النائب وهَرب إلى الجبل الأقرع، فظفر به بعض التركمان فكبسه وأسره هو ومن معه، ووصل الخبر بذلك في أوَّل يوم من ذى الحجة يوم الجمعة، وفرح الناسُ بذلك لحصول الأمن ورفع الحرب والطمأنينة فى الطرقات، وتوجّه العسكر المصري لتمهيد أمور البلاد الشاميّة، وكان من أمره أنه فى شهر رمضان حاصر القلعة، وأظهر العصيان، لكنه لم يقطع الخطبة باسم الظاهر. وبها (١) قَانِباى البهلوان، وبَرْسبَاى الحاجب وفارس نائب القلعة، واختلف عليهم التركمان.

ثم استشعر نائب القلعة بأنّ أهل القلعة وافقوا النائب على العصيان، فقبض عليهم وقتل بعضهم، واسترجع منهم المال الذي رشاهم به النائب، ثم جدَّ النائب في الحصار حتى استغاث أهل القلعة بالعوامّ من جيرانهم، فاجتمعوا ورجموا المقاتلة بالحجارة، فتسامع بقية أهل البلد فاجتمعوا وتساعدوا، فانكسرت جماعةُ النّائب وبلغه الخبر فركب جريدة (٢) وخرج من البلد ولم يصحبه أحد بفرس ولا خيمة، وليس معه سوى ثياب بدنه.

وقرأتُ كتابًا كتبه إليَّ القاضي علاء الدين بن خطيب الناصريّة من حلب يذكر فيه قصة تغرى بَرْمُش نائب حلب، ملخصه إنّه أظهر العصيان في يوم الجمعة الثامن عشر من شعبان وحاصر القلعة ليملكها، فامتنع عليه نائبها، فألحَّ عليه بالحصار إلى يوم الثلاثاء عاشر شهر رمضان، فركب أهل حلب عليه، ونزل الأمير حطط نائب القلعة ومَن معه وساعدهم من بالبلد. الجنْد والعامّة، ووقع بينهم قتال شديد ساعةً من نهار أفضى فيه الأمرُ إلى خذلان تَغْرِى بَرْمُش، فخرج من حلب على جرائد الخيل في نحو مائة فارس، واستمر هو في هزيمته حتى دخل شَيْزَر، فنزل على طُورْ على بن سَقَلْسِيز، فجمع جمعًا من التركمان والعرب وسار إلى طرابُلُس، ففرَّ منه نائبها، ودخل هو فأقام بها أيامًا، واستخرج من أهلها، مالًا كثيرًا، ثم رجع ومعه ابن سَقَلْسِيز وعَلي يَار التركماني وأمير العرب ونزل بالميدان ظاهر حلب، وأعلن بالدعاء للملك العزيز بن الأشرف، وكاتب أهل حلب بالدّخول معه، فأعلنوا مخالفته، وقفلوا دونه الأبواب، وصمموا على طاعة الملك الظاهر [جقمق] فحاصرهم، واستحضر


(١) أي بالقلعة.
(٢) أي ركب مسرعا بدون أثقال، والجريدة فرقة من الخيالة لا تحمل أثقالا.