جانبك الدوادار الأشرفي كان اشتراه وهو صغير، ثم رقاه كما تقدم في الحوادث، وأمره طبلخاناة في المحرم سنة ست وعشرين، وأرسل إلى الشام لتقليد النواب فأفاد مالاً عظيماً، وتقرر أولاً خازندار ثم تقرر دويدار ثانياً بعد سفر قرقماس إلى الحجاز، وصارت غالب الأمور منوطة به، وليس للدوادار الكبير معه كلام وتمكن من سيده غاية التمكن، حتى صار ما يعمل برأيه يستمر، وما يعمل بغير رأيه ينقض عن قرب -، وشرع في عمارة المدرسة التي خارج باب زويلة، وابتدأ به مرضه بالمغص ثم انتقل إلى القولنج، وواظبه الأطباء بالأدوية والحقن ثم اشتد به الأمر فعاده أهل الدولة كما هم من الخدمة السلطانية فحجبوا دونه، فبلغ السلطان فنزل إليه العصر فعاده واغتم له وأمر بنقله إلى القلعة، وصار يباشر تمريضه بنفسه مع ما شاع بين الناس أنه سقي السم، وعولج بكل علاج إلى أن تماثل ودخل الحمام ونزل إلى داره، فانتكس أيضاً لأنه ركب إلى الصيد بالجيزة فرجع موعوكاً، وتمادى به الأمر حتى مات، فنزل السلطان إلى داره وحضره وركب في جنازته وصلى عليه تحت القلعة، وكان شاباً حاد الخلق عارفاً بالأمور الدنيوية كثير البر للفقراء شديداً على من يتعاطى الظلم من أهل الدولة، وهم الأشراف مراراً أن يؤمره تقدمة فلم يقدر ذلك، وكان هو في نفسه وحاله أكبر من المقدمين، مات في ليلة الخميس سابع عشرى شهر ربيع الأول عن خمس وعشرين سنة - تقريباً -، وماتت زوجته بعده بستة أيام، فيقال إنه كان جامعها لما أفاق من مرضه قبل النكسة فأصابها ما كان به من الداء، ونقل السلطان أولاده عنده وبنى لهم خان مرور بالقرب من بين القصرين وكان قد استهدم، فأخذه بالربع وعمره عمارة متقنة بحيث صار الذي يتحصل من ريعه يفي لأهل الربع بالقدر الذي يتحصل من جميعه.