للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأعاد السلطانُ المراسلة إلى أن حصلت الإجابة إلى ماطلبه الأتابك، وجهزّوا له أربعةً فحبسهم، ونزع الطائفتان السّلاح ورجعوا إلى بيت الأتابك، فأحضر القضاة في يوم الأحد وشرعوا في تحليف الجند أجمع على أنهم في طاعة السلطانُ والأتابك، وجهّز أربعة أنفس كانوا رؤساء في مقابلة أولئك، فخلَع السلطانُ عليهم، واستمرّ الحال على ذلك إلى يوم الخميس فصعد الجميع إلى خدمة السلطان، وسكنَ الأتابك الإسطبل.

فلما أصبح يوم الجمعة اجتمع عَدَد من المماليك الجلب ونازعوا الأتابك في ذلك وأنكروا سكناه الاسطبل. ونسبوه إلى أنه السلطنة فتنصَّل من ذلك، واتّفق أنّه لم يُصَلّ الجمعة من السلطان الطائفتين إلّا النادر، ولم يجتمعوا في الخدمة يوم السبت ولا الأحد ولا الاثنين، وكثر تأذّى العامة بالجلب فأمسِكَ منهم اثنان وضُربا وجُرّسا، فسكن شرّهم قليلًا.

* * *

[شهر ربيع الأول]

أوله السبت.

في الرابع منه دخل يشبك [السودونى] الحاجبُ الكبير ضعيفًا في محفَّة، فنزل إلى بيته أوّل النهار، وهرع الناس للسلام عليه، فأقام أيامًا يسيرةً ثم تعافى.

وفى خامسه دخل سائرُ الأمراء فبادروا إلى الإصطبل، فخرج إليهم الأمير الكبير فوقفوا جميعًا تحت القلعة، وتقدّم الأمير الكبير فقبَّل الأرض والسلطان في القصر يشاهدهم، وقبَّل بقية الأمراء واحدًا بعْدَ واحد، فأمر للقادمين بالخلع فخلع عليهم ونزلوا إلى بيوتهم، وهرع الناس للسلام عليهم.

* * *

ويوم الخميس قبض (١) على جماعة من الأمراء القادمين وغيرهم، منهم جَانَم [الأشرفي] أمير أخور، وجَكم [خال العزيز] والثلاثة الذين كانوا معه، وعلي باي ويخشباي (٢) [الأشرفي]، ومقدم المماليك خشْقَدم [الطواشي الرومي] ونائبه [الطواشي


(١) كان الذي قام بالقبض عليهم قرقماس أمير سلاح وذلك من تلقاء نفسه، وكان هدفه "نفع نفسه فنفع غيره" على حد قول أبي المحاسن إذْ لم يدر "أن القلوب نفرت منه لتحققهم ما يظنونه من جبروته وبطشه، وقد اعتادت لين الامير الكبير" أي جقمق، ومع ذلك فقد اخذ جقمق في مداهنة قرقماس وتصافيا في الظاهر وما كانت مطالبة قرقماس بتولية جقمق السلطنة إلا "لينفر عنه من كان من حزبه من المماليك الأشرفية" راجع النجوم الزاهرة ١٥/ ٢٣٩ - ٢٤٨.
(٢) كان أصله من كتابية المؤيد شيخ وقد اعتقه برسباى وتدرج في الوظائف حتى صار من الطبلخانات، وكان جقمق كارها له لما فعله في هذه الموقعة، لاسيما إغلاقه باب السلسلة، فلما وقع في يده سجنه واثبت كفره وضرب عنقه يوم ٨ ذى الحجة من هذه السنة.