للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي ليلة الجمعة ثاني صفر (١) أمطرت السماءُ مطرًا غزيرًا فنزل البحر (٢)، وكان له من يوم السبت السّادس والعشرين من المحرّم مازاد شيئًا وإنما ينادَى بإصبع وإصبعين تطمينًا للناس، فلم يناد يوم الجمعة بشيء.

فلما كان بعد دخول الشهر زاد قليلًا وتمادى ذلك إلى الرابع عشر من صفر الموافق الثالث عشر من مسرى، وكان في صبيحته في العام الماضى قُطِع البحر وأوفى، وزاد من الذراع السابع عشر، وكان انتهاؤه في مثل هذا اليوم من هذا العام إلى ثلاثة عشر ذراعًا وعشرين إصبعا، فالنقص بينهما ذراعان وربع ذراع.

ثم مَنّ الله بالوفاء يوم الاثنين سادس عشري صفر، وقطع البحر في صبيحَتِه على العادة، وكان في العام الماضى فى هذا اليوم ثمانية عشر ذراعا سواء.

* * *

وفى يوم الخميس نصف الشهر بلغ الأتابك جقمق والأمراء وغيرهم أن المماليك الجلب قصدوا الفتك بهم بغتةً، ونمّ عليهم بعضهم، فلبسوا السّلاح وحذّروا، وراسلَ الأتابكُ السلطانَ فى ذلك والتمس أن تجهز إليه رءوسهم -وهم أربعة- سمّاهم، منهم: جكم خال السلطان.

فتردّدت الرسل في ذلك فلم تقع الإجابة، وأرسل إلى القضاة وأشهدهم ومَن حضر أنّه باقٍ على بيعَتِه في طاعة السلطان، ولكنه يلتمس مِمَّنْ كان عند السلطان أن يقفوا عند اليمين التي حلفوها فى حياة الأشرف بأنهم يكونون بعده في طاعة ولده والأتابك نظام الملك.

ثم أرسل السلطانُ إلى القضاة في يوم الجمعة، فراسل الأتابك يسأله عن مراده فعادوا له بما ذكر، وتقرّر ذلك فلم تقع الإجابة، ونشبت الحرب بين الطائفتين، فعَمد الأكابرُ إلى الأتابك فتحوّل معهم إلى بيت نوروز، ثم لمّا وقع التّرامى دخل أولئك المدرسة الحسنية بالرميلة، وعلوا على سطحها ونصبوا المجانيق ورموا بالسهام، وحَصَروا المماليك في الإسطبل، وبادروا إلى الماء الذي يصل إلى القلعة فى القناة التى تمتدّ من النيل فقطعوه فباتوا في ضيق.


(١) ويعادله أول مسرى ١١٥٤ ق، و ٢٥ يوليو ١٤٣٨ م.
(٢) يقصد بذلك نهر النيل.