للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سنة ثمان وأربعين وثمانمائة]

المحرّم منها استهلّ بيوم الاثنين (١) وقد تزايد الطّاعون، وبلغ عددُ الأموات في كلّ يوم زيادة على عشرين ومائة ممن يُضبط في المواريث، وقيل إنه يزيد على المائتين، وأكثر مَن يموت من الرقيق والأطفال، ثم تزايد واشتدّ اشتعاله إلى أن دخل الحاجّ فتزايد أيضًا، ومات من أطفالهم ورقيقهم عدد جمّ، ويقال إنّه جاوز الألف (٢) في كل يوم.

وفي يوم الاثنين ثاني عشرين الشهر خرج أمير المجاهدين إينال الدويدار الكبير، وكان خرج قبله - بإثنى عشر يومًا - طائفة كبيرة تقدّموا إلى إحضار المراكب من دمياط إلى الإسكندرية.

وفي يوم الجمعة الثالث من صفر بعد صلاة الجمعة والشمس في الجوزاء أمطرت السماء مطرًا يسيرًا بغير رعد، وتقدَّمته ريح عاصفة بتراب منتشر فسكن في الحال، وأصبح الناس يتحدّثون أن الوباء قد تناقص عما كان.

* * *

وفي ليلة الأحد خامس صفر وجَدْتُ وجعا تحت إبطي الأيمن ونغزة مؤلمة فنِمتُ على ذلك، فلما كان في النهار زاد الألم قليلًا فنمت للقابلة وانتبهت والأمر على حاله. فلما كان بالعاشر برزَتْ تحت إبطي كالخوخة اللطيفة ثم أخَذَتْ في الخفة قليلًا قليلًا إلى العشر الأخير منه فذهَبت كأن لم تكن، والحمد لله.

وتناقص الموت إلى أن انحط ما بين العشرين والثلاثين.


(١) أمام هذا التاريخ في هامش "هـ" ورد التعليق التالي بخط البقاعي: "وفي أوائل سنة ثمان وأربعين هذه قدم علاء الدين علي بن حامد الصفدي الذي كان قاضي الشافعية بها، ثم تقدم نفي السلطان له إلى دمشق ثم رده إلى صفد بشفاعة قاضي القضاة شمس الدين الونائي، فلما قدم أهدى السلطان وغيره هدايا كثيرة، ثم إنه تكلم في الحاجب بمدينة صفد بكلام لم يعجب السلطان، فأمر من كان حاضره أن يلكموه ففعلوا، ثم نفاه إلى مدينة قوص في أقصى الصعيد، ثم شفع فيه جماعة فرجع إلى القاهرة واستمر بها إلى أوائل سنة خمسين، فولى قضاء صفد على عادته بواسطة النائب بها".
(٢) في حوادث الدهور جـ ١ ص ٧١ أن الطاعون أخذ يتزايد في كل يوم حتى بلغ في صفر عدة من يموت به خمسمائة إنسان في اليوم.