للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ادّعى أن شاهين امتنع من الشرع، وأنه وقع في أمر يقتضى الكفر، وكَتب عليه بذلك محضرًا، وراسلوه لينزل ويسمع الدّعوى عليه فامتنع، وكاتب وتظلّم، فوصل كتاب نائب حلب قرينُه المحضر المكتتب، فغضب السلطان من نائب حلب وعزله وعزل القاضي، وأشيع أنّه أبطل قاضي الحنابلة من حلب، فإن ثبت ذلك فلعلّه يشيع فى غيرها من البلاد، والله المستعان.

وفي ربيع الأول قدم الأمير تَغْرِى بَرْمُش نائب القلعة ومعه رفيقه القاضي بدر الدين بن عبيد (١) الله.

وفي ليلة الاثنين حادى عشره كان المولد النبوى بالحوش على العادة، وتغيّظ السلطان فيه على القاضى الحنفى بسبب تأخيره الحكم فى الصارم إبراهيم بن رمضان، بسبب ما وقع فيه من الأمور المنكرة، وتوجّه تَغْرِى بَرْمُش وابن عبيد الله إلى بلاده بسببها، فأفضى الحال إلى عَقْد مجلس بسببه، فعُقدِ بعد أيام فلم يثبت عليه ما يتحتمّ به القتل، فأمر بتعزيزه، فأعيد إلى السجن فمات بعد أسبوع.

[شهر جمادى الأولى]

استهل بالثلاثاء بالرؤية الفاشية، وفى صبيحته حضر القضاةُ عند السلطان للتهنئة بالشّهر، فأمر الشافعيّ بأن يتوَجّه مع كاتب السرّ إلى مصر بسبب كنيسةٍ للملكّيين رفع ابنْ أقبرس - ناظرُ الأوقاف - للسلطان أن جدارها عالٍ علَى مسجدٍ يجاورها، وأنه يجب هدْمُه، وكان السبب في ذلك أن بردادار ابن آقْبرس تسلّط على بَطْرك الملكية، وكان [البطرك] قريبَ العهد بالاستقرار فيها عوض الذي مات فى السنة الماضية، وطمع فيه، فرفع البطرك أمرَه للسلطان بقصّةٍ أعطاها لكاتب السرّ، فبادر ابن آقْبَرْس حميةً لمن هو مِن جهته فذكر ذلك، فأمر بالكشف فتوجّهوا، فقيل إنهم رأوا الجدار الذي من جهة المسجد مائلًا، فحكم نائب الشافعي بهدمه خشيةَ أنْ يَسقُط على المسجد، وانفصل المجلسُ على ذلك، وكان السلطان يظن أنّه يجب هَدْمُ الكنيسة أصلا، وكان الحنفى المنفصل حاضرًا فتغيّظ عليه لكوْنه، قال: "ما تُهْدَم إلّا بشرط أن تكون حادثة، فإن كان المسجد قديما وَجب هَدْمُ ما يعلو عليه"، فقال له: "لمّا كنْتَ حاكمًا لمَ لا فعلْتَ ذلك؟ قد كنْتَ تفعل عكسه"، أو نحوًا من هذا القول.


(١) علق احد قراء نسخة هـ على هذا الكلام فى الهامش بقوله: كان السلطان شيعهما أول ولايته لقتل من يعثران عليه من الحروفية والنسيمية واتباع ابن عربي من نواحى حلب، كما أشير إليه فى سنة اثنتين واربعين".