للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سنة خمس عشرة وثمانمائة]

استهلت والناصر قد رحل في آثار الأُمراء الذين خامروا عليه فدخل دمشق كما قدّمنا في سلخ السنة الماضية وخرج منها في سادسه.

ووقع في أَول يوم منه تقرير ابن الكشك في قضاء الحنفية، وكان عماد الدين بن إسماعيل بن القصّاص - قاضي الحنفية بحماة - قد جرت له مع يشبك بن أَزدمر كائنة قبيحة جدا، فخرج من حماة إلى دمشق، فبذل لنوروز - وهو نائب الشام - مالًا فولَّاه قضاءَها ثم توجّه إلى مصر فقرّره طوغان وهو بغزَّة في قضاء الشام، فوصل إلى دمشق فلم يتمكن من المباشرة لدخول الشريف ابن بنت عطا بتوقيع الحنفية بدمشق فباشر، ثم دخل الناصر دمشق فأعاد ابن الكشك؛ فولى قضاء دمشق ثلاثةُ أنفس في عشرة أَيام.

* * *

وأَفرج الناصر عن ناصر الدين بن البارزي وعن نكباى الحاجب، وسار إلى جهة حمص قد وقد بلغه أَن الأُمراء نزلوا بها، ثم بلغه أَن الأُمراء رحلوا إلى بعلبك فوصل إليها فوجدهم قد توجهوا إلى البقاع على جهة وادى التيم بقصْد القاهرة، فتوجّه إليهم فمضوا إلى جهة الصُّبَيْبة وهو يتتبّعهم حتى نزلوا باللجون، فأَشار عليه نصحاؤه أَن يرجع إلى دمشق حتى تستريح العسكر ثم يتوجّه إليهم فيأْخذهم من الصُّبَيْبة فأَبىَ ولجّ في طلبهم وظنَّ أَنهم في قبضته، وأَن الذي أَشار عليه بذلك غشَّه واتهمه لهواه فيهم، ثم ركب من ساعته وساق فما وصل إلى اللجّون حتى تقطَّعْت عساكر، ولم يبق معه الَّا اليسير، وذلك في ثالث عشر المحرّم.

وكان الأُمراءُ قد داخلهم الخوف منه فعزموا على أَن يتوجّهوا في الليل من وادي عاره (١) إلى جهة الرملة ثم يقصدون حلب من طريق البريّة ولم يخطر لهم أَن يقاتلوه خوفًا منه وعجزا عنه، فساعة وقوع عينه عليهم حمل واقتحم فيهم، فارتطمت خيول الذين معه في وحل كان هناك، وخامرت طائفة منهم، فقُتل في المعركة مقبل الرومي وكان الناصر قد فسخ عقد


(١) في هـ "غارما".