للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شهر رمضان: أوله الأحد (١) وتراءوه ليلة السبت، وكانت رؤيته ممكنة لكن كان الغيم مطبقًا، ومضى أكثر النهار ولم يتحدث أحد برؤيته، وتمادى الأمر على ذلك إلى العشر الثاني، فشاع أن بعض أهل الضواحى صاموا يوم السبت، ثم كثر الخبر عن أهل المحلة فكوتب حاكمها فأجاب بأنه شهد برؤيته شاهدان من العدول، وآخران مستوران، وتحدث برؤيته جماعة كثيرون، وحكم به بعض نواب الحكم، فلما تكامل ذلك اتصل ببعض نواب القاضي الحنبلي فحكم بتحريم صوم يوم الاثنين الذي هو بالعدد يكون الثلاثين من رمضان، وبوجوب قضاء يوم السبت على قاعدتهم في أن الهلال إذا رؤى ببلدٍ وجب على بقية البلاد صومه، وقضاؤه على من كان أفطره، وكانوا هم صاموا يوم السبت على قاعدتهم في صوم اليوم الذي يلى الليلة التي يكون غيمها مطبقًا، ولولا ذلك لأمكنت رؤية الهلال.

فلما كانت ليلة الاثنين تراءى الناس الهلال فرآه جمع جم، فكان العيد يوم الاثنين بغير شك، فلم يمكن الحنابلة صيامه.

* * *

[شهر ذو القعدة]

أوله الأربعاء (٢).

في يوم السبت رابعه عقد مجلس بحضرة السلطان فادّعى تقى التاجر على برهان الدين بن ظهير (٣) شاهد عثمان ولد السلطان أنه ظلمه فإنه كان اشترى حصة من مطبخ سكر، لتقى [التاجر] فيها الأكثر، فوقع بينهما منازعة بسبب ذلك وأشهد تقى على نفسه أنه مَلَّك ولد السلطان حصته من الجدر والنحاس الذي يطبخ فيه، وكُتِب بينه وبين الظهير براءة وثَبْت واستثنى في البراءة قدرة كبيرة تختص بتقى، فادعى تقى أن ابن الظهير حوّلها في غيبته بغير وجه شرعي، وادعى بذلك بين يدى الحنفي، فقال الحنفي: "لا تسمع دعوى من أبرأ ولو كان وكيلًا" فأمر السلطان لأحد أئمة القصر في الدعوى على تقى عن ولده. فأمر السلطان أن يتوجهوا إلى مجلس القاضي فأعيدت الدعوى، فخشي تقى على نفسه من غيظ السلطان فقال: "كل ما يدعى عَلَيَّ لولد السلطان أنا أُمَلِّكُه لولد السلطان". فبادر من أعلم السلطان أن الحق غلب على تقى فظن صحة ذلك، فأرسل إلى القاضي أن لا يمَكَّن تقّى


(١) الوارد في النجوم الزاهرة ج ١٥ ص ٣٥٠ وحوادث الدهور ٧/ ١٢١ والتوفيقات الإلهامية، ص ٤٢٣ أن أوله السبت.
(٢) في التوفيقات الإلهامية. ص ٤٢٣ "الثلاثاء".
(٣) كان ابن ظهير (وهو إبراهيم بن محمد بن محمد) من طلاب العلم حتى لقد باشر النقابة والنيابة عند التفهني كما ولى الشهادة على بعض ديوان الفخري عثمان بن الظاهر جقمق، وقد وصفه السخاوي في الضوء اللامع ج ١، ص ١٢٢ بأنه "كان ماهرًا في المباشرة، ذا وجاهة" ومات سنة ٨٥٣ مطعونًا، ودفن بتربة بنى ظهير بالصحراء، وانظر أيضًا ابن تغرى بردى النجوم الزاهرة ج ١٥ ص ٥٣٥، ٥٣٦، والبقاعي: عنوان الزمان، برقم ١١٦.