وفي شهر ربيع الآخر التزم نور الدين الطنبذي كبير التجار بالقاهرة أن يأخذ من السلطان ستين الف دينار ليتجر له فيها ويقوم للأستادار بالربح، وكانت له به عناية لأنه كان صديقه وصديق أبيه من قبله فأجيب لذلك، فشرع في تحكير السكر وأن لا يباع إلا بأمره، ودخل في امور شنيعة وكثر الدعاء عليه، وعورض كثير من أهل الدولة في ذلك ولم يستمر ذلك إلى آخر السنة.
وفي ربيع الآخر أمر السلطان نواب القضاة أن لا يحبس أحد على أقل من ألف، وفيه نزل السلطان من القلعة مختفياً إلىالقاهرة فدخل بيت القاضي ناظر الجيش بغتة، فاندهش الرجل وقدم ما تيسر، ثم صحبه بألفي دينار وخيل وبغال وتقدمة، وفي هذا الشهر نودي على الفلوس أن يباع الرطل المنقى منها بثمانية عشر درهماً، ففرح من كان عنده منها حاصل، وحزن من عليه منها دين، لما يقاسمونه من نواب الحكم في إلزامهم إعطاء ذلك بالوزن الاول، وفيه بحث كثير وثبت أن ذلك لا يلزم على الإطلاق بل لا بد من الشروط، واقتضى الحال كتابة مراسيم للشهود أن لا يكتبوا وثيقة في معاملة ولا صداق ولا غيره إلا بأحد النقدين: الذهب أو الفضة، بسبب شدة اختلال أحوال الناس واختلاف أحوال الفلوس التي صارت هي النقد عندهم في عرفهم مع عزة الفلوس وعدمها، كان يكتبون ذلك بالفلوس مع تحققهم أن لا وجود لها، أن لا حقيقة لذلك الإقرار، ثم إذا نودي عليها بأن يزاد سعرها يصير من كتبت له يطالب بذلك الوزن فأجحف ذلك بالناس، فحسمت هذه المادة من هذا التاريخ على يد من وفقه الله لذلك وهو كاتبه، وتمادى الاختلاف بسبب ما كان كتب اولاً، فلم يزل يضمحل بحمد الله تعالى.
وفي رجب استقر جلال الدين محمد بن بدر الدين محمد بن مزهر في كتابة السر عوضاً عن أبيه وهو شاب أمرد كثير الخجل والسكون، فباشره معه شرف الدين