للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وغنموا منهم، وكان غالبُ العسكر مع ذلك مقيمًا في المراكب خشية أن يكيدهم الفرنج بأَن يتملَّكوا عليهم البحر، ثم بلغهم أَن صاحب قبرص تجهز لهم في جمعٍ كبيرٍ فتوجهوا في المراكب إلى جهة طرابلس فرمتهم الريح إلى ألطينة مقابل دمياط وكاتبوا السلطان بذلك فأذن لهم في دخول دمياط فدخلوها في شوّال، ثم أَذن لهم في دخول القاهرة فدخلوها ومعهم عدةٌ من السَّبْي نحو الأَلف رأْس، فتسلم السلطان جميع الغنيمة وفرّق في الجيش مالًا مِن عنده، وشاع الخبر أَن صاحب قبرص كاتَبَ نائبَ الشام في طَلب الصّلح، وكان ما سيأْتي ذكره إن شاء الله تعالى.

* * *

[ذكر غزاة قبرص الأولى سنة ثمان وعشرين]

تقدم فى الحوادث سنة سبعٍ وعشرين ما وقع من الوقعة بين المسلمين وبين الفرنج في ساحل اللَّمْسون (١) المتصل بجزيرة قبرص، فلما رجعوا بالغنيمة والأَسرى أَمر الأَشرف بتجهيز الأغربة والاستكثار منها فَجَدَّ في ذلك وأرسل إلى طرابلس والاسكندرية ودمياط وبيروت، وأمر بتركيز الجند في السّواحل حفظًا له من عادية الفرنج، فاتَّفق أنَّ جَانُوس - صاحب قبرص - جهَّز غرابا وسَلُّورة وشحنهما بالرجال والعدد وأمرهم بتتبع السواحل ونَهْب ما استطاعوا وإفساد ما قدروا عليه، فلم يبلغوا من ذلك غرضًا لحفظها بالجند، فاتَّفق أنهم احتاجوا إلى الماء فانتهوا إلى مكان يقال له "نهر الكلب" فلما رآهم الحرس كمنوا لهم، فلما لم يروا أحدًا دخلت السَّلُّورة النهر وهو ضيق فخرج عليهم الكمين فأَحرقوها وأَسروا من فيها ورجعَ مَن في الغراب إلى قبرص.

ولما تكاملت العمارة جهَّز الأشرفُ الجندَ وتوجه صحبتهم من المطوعة عدد كثير، وركب (٢) إلى الساحل فعرض الجميع وسافروا إلى دمياط، وكان جانوس جهز أميرا يقال له "باله" في تسعة أَغربة، فوقف على فوهة دمياط يمنع أغربة المسلمين من الدخول في البحر الملح، فوقف هناك فصادف مجيء العمارة من الإسكندرية فقصدوهم فانهزموا منهم بغير قتال، وسافر الجميع من فم دمياط إلى طرابلس وانضمّ إليهم المراكب المجهزة منها ومن بيروت، واجتمع


(١) أمامها في هامش هـ بخط البقاعي: "الذي تقدم أنهم نازلوا الماغوصة ولم يجيء لساحل اللمسون ذكر".
(٢) يقصد بذلك السلطان برسباى.