للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى يوم الثلاثاء الثاني والعشرين منه قدم المجاهدون من بحر الفرنج، وكانوا أرسوا عليّ رودس وراسلوا صاحبها بكتاب من السلطان، فجاءهم من أنذرهم أن الفرنج أرادوا أن يُبَيّتوهم، فخرجوا من الساحل فأحاطوا بهم فقاتلوهم إلى الليل، فهبّت ريح شديدة ومطر، فساروا كما هم إلى أن مرُّوا على بعض السواحل فرؤوا في طرفها معصرةَ قصب سكّر فنهبوا مافيها وأسروا مَنْ وجدوه من المزارعين وغيرهم، ورضوا بهذه الغنيمة التافهة، ونجوا بأنفسهم بعد أن قتل منهم نحو الأربعين، وجُرح جماعة، ولم يظفروا بما خرجوا بسببه، والله الإرادة يفعل ما يشاء وينصر من يشاء.

* * *

وفى هذا الشهر بطوله كان الحرُّ مستمرًا ووافق شهر بابه من أشهر القبط، ولم يُعهَد ذلك حتى كان الحرّ فيه أشد مما كان في توت، وثبت النيل ثباتًا عظيمًا فلم ينقص في طول هذا الشهر سوى نحو الذراع، ثم أخذ في النقص، واستمر الحر في هاتور فلم يكن فيه من أوَّله إلى آخره البرد المعهود إلّا اليسير في أواخره.

ودخل كيهك (١). يوم الأحد ثاني رجب والأمر على حاله، إلّا أنه في صبيحته وقع البرد وليس بالشديد، وظهر الزرع، ثم وقع البرد في أوّل يوم من فصل البرْد، وهو عند نزول الشمس القوس واستمرّ، ثم تزايد هبوب الرّيح المريسية، واشتدَّ التأذّى بها، حتى وقع في أوائل طوبة الصقيع، فأفسد كثيرًا من الزرع كالقصب والفول والبرسيم، فلما كان في الرابع عشر من شعبان وهو الثالث عشر من طُوبَه وقع مطر رقيق من طلوع الفجر إلى آخر النهار، فوقع الوحل والزّلق.

[شهر جمادى الآخر]

أوله الجمعة.

في أوّله شرع النيل في النقص، وشرع الناس في الزّرع.

وفى الثاني منه أحضِر شهاب الدين أحمد بن يوسف الكوراني (٢) بمجلس السلطان بحضرة القاضي الحنفي والمحتسب، فعُزّر بالضّرْب تحت رجليه بعد أن كان السلطان أمر أن


(١) هنا يتفق التاريخان العربي والقبطي مع نظيريهما الواردين في جدول التوفيقات الإلهامية.
(٢) صحح هذا الاسم البقاعي في تعليق له على هامش هـ فقال: "إنما اسم أبيه إسماعيل وليس في نسبه يوسف، ويؤيد رأى البقاعي ورود اسمه في النجوم الزاهرة ١٥ ص ٣٤٤، حيث أسقط من كلمة "يوسف" كما أنه وارد في الضوء اللامع ج ١، ص ٢٤١ على الصورة التالية "أحمد بن إسماعيل بن عثمان بن أحمد بن رشيد بن أبراهيم الشهرزوري الهمداني التبرايزى الكوراني ثم القاهرى، وإن قال بعد ذلك: ورأيت من زاد في نسبة يوسف قبل إسماعيل" .. وقد ترجم له البقاعي ترجمة مطولة في عنوان الزمان رقم ١١.