للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحكم الذي أثبت أهْلِية الآخر، وحبسهما بالقلعة، ثم سأل الوصيِ فذكر في القصّة أمورًا تَغَير السلطان منها، لظنّه صدْقَ الوصى، والواقع أنه مشهور بالكذب والبهتان، وقد امتلأ غيظًا بضمّ الآخر معه حتى إنه لم يتمكنّ مما كان يروم أن يفعله، ونَسب إلى المذكور أمورًا معضلة، فظنّ أنّ ذلك بعلم القاضي، فتغيظ على القاضي المذكور وأرسل إليه ألّا يخطب به يوم الجمعة.

وعَين شخصًا من نوّاب الحكم يقال له بُرْهان الدين بن المَيْلَق، فخطب به يوم الجمعة أوّل صفر، وطَلب من يفوّض له الحكم، فذكر له جماعة، فاختار القاضي شمس الدين الونائي، الذي كان ولى قضاء الشام وانفصل منه في شوال، وحج وعاد إلى القاهرة، فدخلها يوم الجمعة ثالث عشرى المحرّم. ثم كان ما سنذكره.

* * *

[شهر صفر]

أوله الجمعة.

ذكرْنا أن ابن الميلق خطب، وذكروه فيمن يُوَلَّى القضاء، وبلغ ذلك ابنَ البلقيِني فضاقَ صَدْره واشتد سَعْيُه، فلم يُجَبْ .. بشيء، فَعُين الوَنائي وفُصّلت خِلْعَتُه يوم السبت.

ثم في أثناء يوم السبت طَلب السلطان شهودَ التركة، وفوّض لنائب القلعة أن يباشر المحاسبة بين الوصيّ ورفيقه بحضرة الشهود، وبحضرة شخصٍ يقال له جمال الدين عبد الله الحلبي التاجر، وكان هو الذي وصَّلَ الوصيَّ حتى ذكر للسلطان ما ذكر، وكُرِّرَتْ المحاسبة ووقعت المحاقة والمشاحة (١) إلى أن ظهر لنائب الغيبة زَغَل الوصيّ وتزيّده في القول، وافتراؤه ما كان افترى، فدخل بالمحاسبة إلى السلطان وظهرت براءة القاضي والذي أقامه وذلك وقت أذان المغرب، فلما كان صبيحة الأحد أمر بإطلاق نائب الحكم والذي أقامه القاضي، واتّفق أنْ كَلَّمَه ولدُهُ الأمير ناصر الدين محمد فيما يتعلّق بالقاضى وجَبْرِ خاطِرِه فيما وقع فيه من الافتراء، فأذن له فبطل أمر الونائي وفُصّلتْ للقاضي جبة بسمور، ولبسها صبيحة يوم الاثنين، وكان يومًا مشهودًا.

وفي أوائله وصل عبد الباسط إلى القدس سالمًا، وكان أرجف بأن قد أصيِب جميع من


(١) في الأصل "المحاققة والمشاححة" وقد علق الأستاذ الدكتور رمضان عبد التواب على هذا فقال "بفك التضعيف وهو ضعيف ولا يجوز إلا في الشعر كقول القائل:
مهلا أعاذل قد جربت من خلقي … أني أجود لأقوام وأن "ضنوّا"