للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سنة تسع وأربعين وثمانمائة]

استهلّ شهر المحرّم يوم الجمعة، وفي أوّل يوم توجّه مَن يلاقي الحاج إلى عقبة أيلة، وصحبتهم أنواع من المأكولات والعلف على العادة.

وفيه أسلم جميع الأسارى الذين كان ملك الروم جهّزهم إلى سلطان مصر، وذكروا أن ملكهم قُتِل في المعركة، وأن عسكرهم كان أضعافَ عسكر ابن عثمان، وأنّ النصر الذي حصل ما كان على الخاطر، وذلك أن الكفّار كانت لهم مدة في التجهيز لأخذ بلاد السواحل من المسلمين والتوصّل إلى الاستيلاء على بيت المقدس، فاجتمع منهم مِن جميع أمصارهم مَن يستطيع القتال ولم يشكّوا هم ولا مَلِك المسلمين في أخذ السواحل وانكسار عساكر المسلمين، ففتح الله للمسلمين بالنصر، فإن ملك الكفّار لمّا رأى قلة عسكر المسلمين طمع فيهم فحمل بنفسه، وكان شجاعًا بطلًا فقَتل من المسلمين عدّة أنفس ورجع، ثم حمل ثانيا فصنع كذلك، ثم حمل ثالثًا فاستقبلوه بالسهام فأصابه سهم فسقط، فنزل فارس من المسلمين فَحَزّ رأسه، وسار به إلى ملك المسلمين، فنصَب رأسه على رُمح، ونادى في الكفّار بقتل ملكهم، فانهزموا بغير قتال، وتبعهم المسلمون فأبادوهم أسْرًا وقتلًا، وصادفهم في تلك الحال اجتماع عدّة من الوحوش الكاسرة على جماعة من الغزلان اجتمعت في مكان، فثار بين الفريقين غبرة عظيمة، فظنّها الكفارُ نجدةً من بلاد المسلمين من مصر أو غيرها، فاشتد رعبهم وانهزموا لا يلوى أحد على أحد، واشتدَّ الغبار فقتل بعضهم بعضًا، وكفى الله المؤمنين القتل، وجهز ملكهم ثم بعض الأسرى إلى سلطان مصر، فسلّمهم للأمير الزُّرْدَكاش، فحسَّن لهم الإسلام فأسلموا، ففرّقهم السلطان على الأمراء.

* * *

وفي ليلة الجمعة الثامن من المحرم سقطت المنارة التي بالمدرسة الفخرية (١) القديمة في سويقة الصاحب، والمدرسة قديمة جدًّا من إنشاء فخر الدين بن عثمان بعد الستمائة، وكانت مالَتْ قليلًا، فحذر السّكان بالربع الذي يجاورها من سقوطها وهو موقوف عليها، فتهاونوا في ذلك، فسقطت بالعرض على واجهة المدرسة ووجه الرّبع، فنزل بعض على بعض، وهلك في الرّدم


(١) تنسب هذه المدرسة إلى بانيها الأمير فخر الدين عثمان بن قزل البارومي أستادار الملك الكامل محمد بن العادل وذلك سنة ٦٣٢، وتقع هذه المدرسة بين سويقة الصاحب ودرب العداس بالقاهرة، راجع عنها الخطط ٣/ ٢٣٢.