للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما عرفْتهُ في سنة ٢٤ سنة حججْنا جميعًا، وكنا نجتمع في السير ونتذاكر في الفنون، ثم كان يتناوب نيابة الحكم بالمنصورية هو وابن (١) عمّه شمس الدين محمد (٢) بن خلف بن كميل، ويتعاهد السّفر للقاهرة كل سنةٍ مرةً أو مرّتين، ومَدَح الملك المؤيّد - لما رجع من سَفْرَةِ نوروز - بقصيدةٍ طنّانة، وله مدائح نبوية مفلقة، وقصائد في جماعة من الأعيان، ولم يكن يتكسب بذلك وإنّما يمدح لتحصيل جاه الممدوح في الدّفع عنه أو المساعدة له، ثم استقلّ بقضاء المنصورة، وضمّ إليه سلمون (٣)، ثم زيدَ منية بني سَلسيل فباشر ذلك كلّه، وكان مشكور السيرة، ونشأ له ولدٌ اسمه أحمد (٤) فنبغ واغتبط به.

فلما كان في ليلة الإثنين ثاني عشر شعبان كان قد توجّه إلى سلمون لأمرٍ يتعلّق به فنزل المسجد وله فيه خلوة فوقها طبقة وللطبقة سطح يجاور المئذنة، فاتفق هبوب ريح عاصف في تلك الليلة واشتدّ في آخرها وفي أوّل النهار، فصلّى المذكورُ الصبحَ ودخل خلوته التي كان ينام فيها فقصفت الريح نصفَ المئذنة فوقع على سطح الطبقة فنزل به إلى سطح الخلوة ونزل الجميع على الخلوة وشمسُ الدين قاعد فيها وذلك لمّا تعالى النهار ولم يشعر بشيء من ذلك حتى نزل الجميع عليه فارتدم المكان به فمات غما، وجاء الخبر إلى ولده فتوجّه من المنصورة مسرعًا فوصل إليه فنبش عنه فوجد الخشب مصلّبا عليه ولم يخدش شيء من جسمه، بل تبيَّنَ أنّه مات غمًا لعجزه عن التخلص من الردم المذكور، والله المستعان.


(١) في الضوء اللامع ج ٧/ ٥٧ "ابن عم والده". على أنه أشار إليه في مجال آخر في نفس المرجع ٩/ ٢٢٠ فقال عنه: "قريبه" فقط.
(٢) هو محمد بن محمد بن خلف بن كميل، ولد قبيل الثمانمائة بالمنصورة، وحفظ المنهاج والألفية ودرس الفقه والعربية وولى القضاء بالمنصورة ودمياط والمحلة وكانت وفاته بالجذام سنة ٨٦٨ انظر السخاوي في الضوء ٩/ ٢٢٠.
(٣) يوجد بالقطر المصري عدة مدن وقرى تسمى كلها بسلمون وهي متناثرة بين الوجهين البحري والقبلي، ولعل المكان المقصود هنا هو ما يعرف بسلمون طريف. وهذا هو الإسم الذي وردت به في التحفة. وبأنها من أعمال الدقهلية وظلت بهذا الاسم حتى سنة ١٩٠٣ حين حذفت كلمة "طريف" واقتصر على سلمون أو سلامون. انظر القاموس الجغرافي ق ٢. ج ١. ص ٢٢٠ أما منية بنى سلسيل فهذا هو الاسم القديم لما أصبح يعرف باسم ميت سلسيل. وهي من أعمال الدقهلية قرب المنصورة.
وقد اعتبر محمد رمزي اسمها الصحيح هو منية ابن سلسيل. وتقع بين أشمون الرمان ومنزلة ابن حسون. انظر القاموس الجغرافي. ق ٢. ج ١. ص ٢٠٤.
(٤) في هامش هـ بخط البقاعي: "إنما اسم ولده بدر الدين محمد". وهذا هو الاسم الصحيح. أما ما بالمتن فسهو قلم. وقد ولد بعد سنة ٨٢٠ بالمنصورة وحفظ القرآن والحاوي. وناب عن أبي البقاء ثم عن ابن حجر. ومات سنة ٨٧٨ انظر الضوء اللامع ٩/ ٨١.