وابتدأ بكاتب السر وجعه، فيقال إنه دس عليه السم فوعك أياماً ثم ابل من مرضه وركب ثم انتكس واحتجب عن العواد ولازمه الأطباء، فيقال إن نصرانياً أراد أن يدفع عنه وهم كونه مسموماً فشرب بوله، ففرح بذلك وأعطاه خمسين ديناراً، ثم صار يحصل له شبيه السبات، ويقال إن النصراني وعك بعد ذلك، وفي غضون هذه الأيام أمر السلطان بإعادة الشيخ محمد بن بدر من قوص، فأعيد في أواخر شهر ربيع الآخر وتوجه لحال سبيله.
وفي العشرين من ربيع الأول انقضت أيام الحسوم وكانت شديدة البرد إلى الغاية، ولقد تذكرت لما مرت بنا في سنة ست وثلاثين وثمانمائة بعد ذلك بعشر سنين وهي في غاية الحر - فسبحان الحكيم! واستمر كاتب السر منقطعاً في بيته موعوكاً إلى العشر الثاني من رجب فعوفي ودخل الحمام وركب إلى القلعة ثم اجتمع بالسلطان، فأذن له أن يتأخر في منزله أياماً لتكمل عافيته، فأرسل إليه عقب ذلك تقدمة تشتمل على ثياب حرير وصوف وذهب، فخلع على محضرها أخيه سليمان بن الكويز، وفي العشرين من ربيع الآخر رخص القمح جداً حتى انحط إلى ستين درهما الإردب بحيث يحصل بالدينار المختوم أربعة أرادب، وهذا غاية الرخص فإن عبرة الديار المصرية أن يكون الإردب بدينار، فما زاد فهو غلاء بحسبه وما نقص عن ذلك فهو رخص بحسبه.
وفي رابع عشري شهر ربيع الآخر هبت ريح برقة تحمل تراباً أصفر إلى الحمرة، وذلك قبل غروب الشمس، فاحمر الأفق جداً بحيث صار من لا يدري السبب يظن أن بجواره حريقاً، وصارت البيوت كلها ملأى تراباً ناعماً جداً يدخل في الأنوف وفي جميع الأمتعة، ثم لما تكاملت غيبوبة الشفق أسود الأفق وعصفت الريح وكانت مقلقة، فلو قدر أنها كانت تصل إلى الأرض لكان أمراً مهولاً، وكثر ضجيج الناس في الأسواق والبيوت بالذكر والدعاء والاستغفار إلى أن لطف الله تعالى بادرار المطر، فتحولت الريح جنوبية باردة، ولم تهب هذه الريح منذ