للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سنة أربع وعشرين وثمانمائة]

استهلت يوم الإثنين ورؤى الهلال في تلك الليلة كبيرا ودام حتى غاب الشفق، وسمعنا بعض الجند يتمول إنه رآه ليلة الأحد وكذا ثبت في حلب وكان يوم الاثنين حادي عشر طوبة (١).

* * *

وفى أوّله اشتد مرض السلطان وأُرجف بموته وحصل له ذرب مفرط واستمر به إلى أن مات ضحى يوم الاثنين ثامن السنة، وحضر موتَه الشيخُ يحيى السيرامى وبعضُ الأمراء، ثم اجتمع الأُمراءُ والقضاة والخليفة وسلطنوا ابنه أحمدَ ولقبوه "المظفر" وذلك قبل تجهيز والده، وكان القائم في ذلك الأمير ططر وهو يومئذ أمير مجلس، ثم جُهّز الملك المؤيد وتقدم للصلاة عليه الخليفة ثم حُمل من القلعة إلى مدرسته التي أنشأَها داخل باب زويلة ودفن بها في القبة التي دفن فيها ولده إبراهيم، وتأَسف الناس عليه جدا وأكثروا الترحم عليه، وأمطرت السماءُ ساعة المسير بجنازته مطرا غزيرا جدا حتى مشى الناس في الوحل إلى المدرسة، وأخبرني بعض أصحابنا أنه شاهد البرد ينزل من السماء كبارا.

وكات مدّة سلطنة المؤيد ثمانى سنين وخمسة أشهر وثمانية أيام، وكان ابتداءُ استقراره في نيابة الشام في سنة خمس وثمانمائة، فاستوفى في الملك عشرين سنة: أميرا صرفا، وفى معنى السلطان، وسلطانا.

وكان شهما شجاعا عالى الهمة كثير الرجوع إلى الحق، محبًّا في الشرع وأهله، صحيحَ العقيدة، كثيرَ التعظيم لأهل العلم والإكرام لهم والمحبة في أصحابه والصفح عن جرائمهم، ومحاسنه جمة.

* * *

وفي عقب دفن السلطان قُبض (٢) على الأمير قجقار القردمى وحُبس بالقلعة، وكان


(١) تتفق هذه التواريخ كلها مع ما ورد في التوفيقات الإلهامية، ص ٤١٢.
(٢) لعل ابن حجر يريد بذلك الإشارة إلى أن قجقار كان يريد الوثوب على الملك والاستيلاء على السلطنة والقبض على ططر.