وفي رجوع الحاج كان الرخاءُ كثيرا إلى الغاية وكذا كان بمكة، لكن كانت بضائع اليمن لم تلحق الموسم، فكانت الأَنواع التي يحتاج إليها لأَجل الهدية غالية بحيث يساوى الذى قيمته عشرة دراهم أكثر من عشرين، وكان البرد شديدا جدا بحيث أصبح الناس في تيه بني إسرائيل فوجدوا الماءَ جليدا حتى في القرب والزمزميات.
وفي هذه السنة قرر الظاهر ططر تاجَ الدين عبد الرحمن بن الكركي في قضاء حلب، وكان تنبك ميق نائب الشام سأَل الظاهر في ذلك عوضا عن علاء الدين بن خطيب الناصرية فأَجابه، فحضر علاءُ الدين إلى القاهرة بسبب السعي في عوده.
وفي ليلة الأَحد سادس ذى الحجة مات الظاهر ططر، فلما كانت ليلة العيد أَضمر جانبك الصوفى الغدر فذكر بعض الناس ذلك لبرسباى، فخاف جانبك وركب بباب السلسلة فاجتمع الأُمراءُ عنده، ثم اتفق أَنهم قصدوا بيت يلبغا المظفرى ليأْخذوه معهم، فلما تكاملوا عنده اتفقوا على قبض جانبك ويشبك، وهرب قرمش ثم قبض عليه، وجهز الثلاثة للإِسكندرية، واستقر برسباي نظام الملك ومدبر دولة الصالح أَحمد بن الظاهر ططر، واستقر طرباى أَتابك العساكر المصرية وسودون من عبد الرحمن دويدارا، ويلبغا المظفري أمير سلاح، وأَزبك رأْس نوبة، وجقمق حاجب الحجاب، وقجق أَميرا كبيرا (١).
[ذكر من مات في سنة أربع وعشرين وثمانمائة من الأعيان]
١ - أحمد بن إبراهيم بن ملاعب الفلكي الحلبي، أَصله من سرمين وانتهت إليه رئاسة معرفة حل الزيج وعمل التقاويم، وكان مقربا عند الأُمراء بحلب وتقاويمه رائجة في البلاد وعليه اعتمادهم عند إرادة الحروب، وله إصابات كثيرة يحفظها الحلبيون؛ وسمعْتُ القاضي ناصر الدين البارزي يبالغ في إطرائه، ووَصفَه غيرُه بقلَّة الدين وترْك
(١) جاء في هامش الصفحة في ث: "قال العيني في تاريخه: من الأمور الغريبة كون أربع سلاطين في هذه السنة: الملك المؤيد وولده الملك المظفر والملك الظاهر ططر وولده الملك الصالح، قلت ثم الأشرف فهم خمسة وإن كان الأشرف تسلطن في التي تليها لكن التقريب هم خمسة".