للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[سنة خمس وثمانمائة]

في أولها استولى تمرلنك على أبي يزيد بن عثمان وأسره وأسر ولده موسى ثم قُتل أبو يزيد، وكان من أكبر ملوك الإسلام وأتمهم (١) يقينا وأكثرهم غزوًا في الكفار، وكان ينكر على ملوك عصره تقاعدهم عن الجهاد وأخْذهم المكوس.

فلما رجع تمرلنك في سنة ثلاثٍ من البلاد الشامية إلى جهة الشرق ثم عرج على بغداد عاد إلى جهة بلاده في سنة أربع إلى جهة الروم، فوصل إليها آخر السنة الماضية، وأرسل إلى صاحب ماردين بالحضور إليه، فلم يكن له بد من موافقته فتوجه إليه.

وراسل أبا يزيد في الصلح على عادته في المكر والدهاء، وكان أبو يزيد قد جمع العساكر لما بلغه قصده إلى بلاده واستكثر منها، فلم يجبه إلى الصلح ورحل بعسكره إلى جهة تمرلنك ليطرده عن بلاده، فسار خمسة عشر يوما، فراسله تمر أيضا يقول له: "إنك رجل مجاهد في سبيل الله، وأنا لا أحب قتلك، ولكن أنظر إلى البلاد التي كانت معك من أبيك وجدك فاقنع بها وسلّم لي البلاد التي كانت مع أرطا صاحب الروم في زمن الملك أبي سعيد"؛ فمال ابن عثمان إلى ذلك، فبلغه أن التمرية أغاروا على كماخ (٢) ونهبوها، فتحقق أبو يزيد أن تمر لا يحب الصلح ولا يذكره إلَّا تخذيلا.

فلما تقارب العسكران أظهر تمر الهزيمة خديعة، فلم يفطن ابن عثمان لذلك وساق خلفه إلى مكان يسمى الآن "المكسورة". فلما قربوا منهم أخرج تمرلنك طائفة كانوا مستريحين وأراح المنهزمين، فتلاقوا مع عسكر ابن عثمان وهم كالموتى من التعب، فلاقاهم أولئك على الفور فقتل منهم مقتلة عظيمة، ثم هجم عليهم كمين لتمرلنك فهزمهم.


(١) في هـ: "أيمنهم نقيبة".
(٢) هي المعروفة بقلعة كمخ والتي يسميها الروم كمخا Kamcha وتقع على الفرات الغربي على مسيرة يوم أسفل من أرزنجان كما ذكر ذلك لسترانج: بلدان الخلافة الشرقية، ص ١٥٠ - ١٥١، اعتمادا على المصادر العربية وابن سرابيون، وقد ضبطها مراصد الاطلاع ٣/ ١١٧٨ بالفتح ثم السكون، واتفق معه في هذا لسترانج ثم عاد فجعلها بفتحتين.