للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التَّفَهْني قد سمع الحديث من النجم بن الكشك وغيره واشتغل على جماعة من المشايخ، وأَوَّلُ من نَوَّه به كاتبُ السر بدر الدين الكُلُسْتَانى؛ وكان أصله من نَفَهْنة (١) -إحدى القرى الغربية- وأبوه طحّان، ومات وهو صغير فرباه أخوه شمس الدين محمد، فلما ترعرع دخل القاهرة ونزل في كُتّاب السبيل بالصُّرْغُتْمُشِيّة ثمّ صار عريفًا بالمكتب، ثم نزل في الطلبة، ثم نزل في صوفية الشيخونية، فلما نَوَّه به الكُلْسْتَاني ناب في القضاء وحُمِدَت سيرته ولازم الاشتغال وحَسُنَ حظه، وكَتَبَ على الفتاوى فأجاد، وكان حسنَ الأخلاق كثيرَ الاحتمال شديدَ السّطوة إذا غضب لا يُطاق، وإذا رضى لا يكاد يُوجد له نظير؛ رحمه الله تعالى.

* * *

وفى شعبان صُرف القاضى شهاب الدين بن المحمرة (٢) عن قضاء الشام واستقر كمال الدين البارزى وخلع عليه في يوم الجمعة ثانى شعبان مع استمراره (٣) في كتابة السر الشام، فلما بلغ الشام توجه إلى بيت المقدس فصام شهر رمضان هناك وقدم بعد شوال إلى القاهرة، وكان لما سار إلى الشام استناب بدر الدين بن الأمانة في تدريس الشيخونية وجمال الدين ابن المجير في مشيخة الصلاحية، فلما تمادت إقامته هناك استنجز مرسومَ السلطان بالاستقلال، فلما عاد إلى القاهرة استعاد الوظيفتين منهما بإذن السلطان، ولم يلتفت إلى شرط الواقف أنَّ من غاب عن وظيفته أزْيد من مدّةِ مجاورة الحاجِّ أُخْرج منها، وهذا بخلاف شرط سعيد السعداء فإن شرط واقفها بأنَّ من غاب عن وظيفته يعود إليها إذا عاد ولو طالت غيبته، فحُجَّة ابن الأمانة قائمة وحجة ابن المجير داحضة.

وفيها وصل من جُنُوك الصّين عدة ومعهم من التحف مالا يوصف فبيع بمكة.


(١) وردت في القاموس الجغرافي ق ٢ ج ٢ ص ٥٦ باسم تفهنة الغرب (بفتح التاء والفاء وسكون الماء وكسر النون) وقال إنها قرية من القرى القديمة سماها معجم البلدان تفهنا (بفتح التاء وكسر الفاء وسكون الهاء)، كما وردت في بعض المعاجم الجغرافية الأخرى باسم "تفهنة" الكبرى تمييزًا لها عن "تفهنة الصغرى" أو "تفهنة الأشراف" بمركز ميت غمر.
(٢) أنظر ابن طولون: قضاة دمشق، ص ١٦٠ - ١٦٢، أما عن الكمال البارزي فانظر نفس المرجع ص ١٦٢ - ١٦٤.
(٣) لاحظ هذه المسألة أبو المحاسن في النجوم الزاهرة ٦/ ٦٧٥ فقال إنه لم يحصل لأحد قبله الجمع بين قضاء دمشق وكتابة سرها.