للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلم يظفروا به ولا بشيءٍ فيه، فلما أصبح استعفى من الأُستادارية فقرر السلطان فيها الصاحب بدر الدين بن نصر الله في ثالث عشرى ربيع الآخر فباشرها شَهْرين، ثمّ انفصل وأُعيد آقبُغَا الجمالي في جمادى الآخرة، وسبب ذلك أنه (١) كان حَصَّلَ من الصعيد الأعلى -بالظّلم والعسْف- مالًا كثيرًا فرافعه فيه بعض الناس، فسعى فى الحضور فأُجيب، فسعى في الأُستادارية على أن يزن عشرة آلاف دينار ويلتزم بالتَّكْفِية فأُجيب، ثم حُوقِقَ على جهات احتاط عليها فزيد على الذي وعَد به خمسة آلاف دينار فالتزم بها.

* * *

وفيها أُجريت العيون حتى دخلت مكة فامتلأت بِركُ باب المعلى ومرت على سوق الخيل إلى الصفا فعمّ النفع بها، وكان القائم على ذلك سراج الدين بن شمس الدين ابن المُزَلَّق كبير التجار بدمشق، وصرف على ذلك من مال نفسه شيئًا كثيرا.

وفي السابع والعشرين من جمادى الآخرة صُرف القاضي زين الدين التَّفَهْني من قضاء الحنفية وأُعيد العيني، وكانت عِلةُ التَّفهْنى طالت لأنها ابتدأَت به من ذى الحجة فأقام مدةً وعوفى ثم انتكس واستمر، وتداولته الأمراض إلى أن أُشيع موته، واستقر في قضاء الحنفية بدر الدين العينتابي (٢)، وبلغ التفهنى ذلك فشق عليه وركب في اليوم الثاني إلى القرافة حتى شاهده الناس ليحقق أَن العينتابي يقول عليه أنه بلغ الموت لكن لم يفد ذلك، فلما دخل شوال مات؛ وكان مولده سنة بضعٍ وستين فإن القاضي شمس الدين البساطي ذكر لي (٣) أنه يعرفه من سنة ثمانين وهو بالِغٌ، وكان في غضون مرضه نزل لولده شمس الدين محمد عنْ تدريس الصُّرْغُتْمشِيّة فشَقَّ ذلك على العينتابي وقام فيه وقعد، فصدَّه ناظر الجيش عنه وأمضى السلطان النّزول، فلما مات التَّفَهْنى صُودر ولدُه على خمسمائة دينار، وكان


(١) الضمير هنا عائد على آقبغا الجمالي، ويلاحظ أن مدة ولاية ابن نصر الله للأستدارية كانت شهرا وتسعة أيام كما جاء في نزهة النفوس، ورقة ١٤٤ ا، وقد أشار هذا المرجع إلى أن آقبغا الجمالى طلب الأستادارية لنفسه بمبلغ عشرة آلاف دينار، وتعهد -إن سافر السلطان إلى الشام- أن يحمل معه نفقة شهرين وهي أربعون ألف دينار، وهذه النفقة هي التي يسميها ابن حجر في المتن "بالتكفية".
(٢) الواقع أن العينى ولى هذه المرة القضاء والحسبة ونظر الأحباس كلها مرة واحدة.
(٣) كلمة "لى" ساقطة من هـ.