وفي المحرم أيضاً سعى الشهاب بن خضر الدمشقي الحنفي في تدريس الركنية عند الهمام بن القوام قاضي الحنفية يومئذ عوضاً عن القاضي صدر الدين بن منصور، وحكم بفسقه تهوراً، فقام عليه حنيفة دمشق ورفعوا الأمر للنائب وأثنوا على القاضي صدر الدين، فرسم بعقد مجلس فعقد وانفصل الأمر على إبطال حكم الهمام، وأعيد صدر الدين إلى وظيفته، وكانت هذه الفعلة من عجائب تهور الهمام.
وفي أوائل السنة مات خطيب إخميم، وكان مشهوراً بكثرة المال، فأرسل بركة محمد بن الدمرداشي للحوطة مع أنه خلف عدة أولاد وأقارب، ففتك الدمرداشي في حاشية الخطيب فتكاً عظيماً. فاتفق مسك بركة، فأمر برقوق بإحضار الدمرداشي وضربه فضرب ضرباً شديداً وأهين وصودر ونفي.
وفيها استقر صدر الدين بديع بن نفيس الطبيب التبريزي ثم البغدادي نزيل القاهرة شريكاً لعلاء الدين بن صغير في رئاسة الطب بالقاهرة بعناية برقوق به، وكان نفيس يهودياً فأسلم، وهو عم فتح الله بن مستعصم بن نفيس الذي ولي كتابة السر في آخر دولة برقوق، وارتغم غالب الناس لابن صغير لتقدمه في صناعته وحسن مباشرته للناس وتودده لهم، حتى عمل الشيخ يدر الدين ابن الصاحب:
قالوا بديع غدا شريكاً ... لابن صغير وذي تعاسة.
قلت شريك بنصف جعل ... ولم يشاركه في الرئاسة.
وعمل ابن العطار:
قالوا بديع غدا شريكاً ... لابن صغير وشال رأسه.
قلت قبيح على بديع ... من أين هاذاك والرئاسة.
وفيها قبض على التاج الملكي وضرب، ثم خلع عليه بالاستمرار، ثم استعفى من الوزارة ولبس الفقيري ولازم جامع عمرو بن العاصي، ثم أمسك في سابع عشرين شهر ربيع الآخر وسلم