للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى تاسع عشر شهر ربيع الآخر حضر أَينبك وحده إلى بلاط الصغير، فتوجّه معه إلى يلبغا الناصري فأَرسله إلى سجن الأسكندرية، وفى ذلك يقول شهاب الدين بن العطار:

مِنْ بعد عزٍّ قَدْ ذلَّ أَينبك … وانحطّ من بَعْد السمو من فتكا

وراحَ يبكي الدماء منفردًا … والناس لا يعرفون أَين بكا (١)

* * *

وفى ليلة الرابع من رجب سكر قطلقتمر - أَخو أَينبك - وهو في السجن، ثم قام ليبول فسقط من طاقٍ في المكان فمات سكرانًا ودُفن في صبيحة ذلك اليوم من غير غُسل ولا صلاة، وكان هو رأْس هذه الفتنة كلها لأَنَّه أكبر الأَسباب في القيام على الأَشرف، وأَراد بلاط الصيد فعدى إلى الجيزة فأَرسل إليه برقوق يخيّره في أَي نيابة أَراد من البلاد فامتنع، وأَراد إثارةً الفتنة فوجد المعادىَ قد عُوِّقت عليه فتوجّه إلى الكرك بطالًا.

* * *

وفى ذى الحجة وقعت الوحشة بين الأَميرين برقوق وبركة وبين أَتابك العساكر طشتمر، وكان طشتمر يحب السلامة ويكره القتال، فكان يسلِّم للأَميرين جميع ما يختارانه من ولايةٍ وعزلٍ وأَمرٍ ونهى وغير ذلك، فطمعا فيه وصارا يقترحان عليه إبعاد واحدٍ بعد واحد من أُمرائه وخواصه فيفعل ما يقترحانه عليه إلى أَن كان آخر ذلك أَن أمراه بنفى كمشبغا - رأس نوبته -، فأَراد [طشتمر] تسليمه لهما فامتنع [كمشبغا] ودخل عليه (٢) مماليكه ليلة عرفة مليسين (٣) وقالوا له: "إن لم تركب معنا قتلناك" فوعدهم وصرفهم ودخل بيت الحريم ثم قفل الباب. تركب من كان لبس (٤) من مماليكه إلى الرميلة وبلغ ذلك الأميرين (٥) فركبا ودُقّت الكوسات وتكاثر مماليك طشتمر على أُولئك فكسروا طُلب بركة وعدّة من أَطلاب الأُمراء، وظهرت من ققطاى الطواشي - خادمِ طشتمر - شجاعة عظيمة، وحَمل في مائتي نفس فكسرهم وهو يقول: "أين أَصحاب الخصي؟ ".


(١) هامش هـ "كان هذا عند شيخنا من الجيد لسكوته عليه وذكره إلَّا لتزويق ألفاظه وجعل معناه تبعًا لها فصار بهذا الاعتبار إلى السفساف أقرب منه إلى الجيد".
(٢) أي علي طشتمر.
(٣) أي لابسين آلة الحرب.
(٤) في بعض النسخ "ليس".
(٥) المقصود بذلك بركة وبرقوق.