فاتفق أَن جاءَت في كمشبغا - رأسِ نوبة طشتمر - نشابةٌ فنحرته فحُمل إلى طشتمر وهو في السياق فقال له:"انظر كيف قاتلتُ عنك حتّى قتلتُ! " فقال: "وقتلتَ نفسك ورحتَ النار، وخربتَ بيتي وفتحتَ باب فتنةٍ كان قد أُغلقَ". فمات كمشبغا من ساعته وانكسر أَصحاب طشتمر بعده لأَنه ما كان ركب أَصلًا، فلما رآى ذلك جعل في رقبته منديلًا وركب من اصطبله إلى برقوق - وهو إذ ذاك زوج ابنته - بغير سلاح، فسلّم نفسه له وقال:"أَنا أُحب أَن أكون فداءَ المسلمين، فاصْنَع بي ما شئتْ"، فقبض عليه وعلى أَطلمش الدويدار وجماعةٍ من حواشيه وسُيِّروا إلى الإسكندرية. ونُفى تقطاى وجماعة معه إلى قوص.
واستقر برقوق - في ثالث عشر ذي الحجة - أَتابكَ العساكر ولم يتحول من الاسطبل، واستقر أَخوه قرادمرداش أَمير آخور وسكن في جانب الاسطبل.
ثم قَبض برقوق - في نصف ذى الحجة - على يلبغا الناصري ونفاه إلى الإسكندرية وقَرر إينال اليوسفى رأس نوبة مكان يلبعا الناصري.
* * *
وفى هذه السنة تزايد الرخاء بمصر حتى بيع بدرهم واحدٍ أَربعة وعشرون رغيفًا باردًا، والقنطار الجبن الجاموسي بثلاثين درهمًا، وبيع بدرهم أَربعون حبة من البيض وأَمثال ذلك. وفى ذلك يقول شيخنا بدر الدين بن الصاحب:
إنّ برقوق أَمير … كعبُه في الناس أَخضر (١)
* * *
وفي العشرين من جمادى الأُولى استقر الشيخ برهان الدين الأَنباسي في مشيخة سعيد السعداء بعد وفاة علاء الدين السرائي بعناية شمس الدين المقسى ناظرِ الخواص.
وفى ثالث عشرى جمادى الأُولى أُعيد القاضي علم الدين البساطي إلى قضاء المالكية، وصُرف
(١) جاءت رواية هذا البيت في ز على النحو التالي: "إن برقوق لغصن"، وفى هـ "لغصن".