للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قرأْتُ بخط المحدّث برهان الدين الحلبي (١): "اجتمعت به فوجدّته عالما كثير الاستحضار في فنون منها التفسير والفقه والأُصول، يحفظ متونا كثيرة وأَلفاظ التفسير كما هي، ويجرّد غرائبَ من المتون وزيادات غريبة يعزوها، ويعرف أَسماءَ الرجال وطبقاتهم، ويتكلم في الصحيح والضعيف، ولم يكن عنده مكر ولا غش، مع الدين والخير وملازمة السُّنة".

وقرأْتُ في تاريخ ابن حجى: "ورد إلى دمشق بعد الأَربعين فنزل القبيبات وقرأَ وأَخذ عن خطيب جامع (٢) جراح شرف الدين قاسم وعن البهاء الإخميمي، واشتغل بعلم الحديث وبعمل المواعيد النافعة للعامة والخاصة، حتى إنَّ كثيرًا من العوام انتفعوا به وصارت لديهم فضيلة مما استفادوا منه؛ وكان مع ذلك يُقصد (٣) للإفادة والافتاء، ودرّس بالمسرورية (٤) والناصرية (٥).

ولما ولى القاضي برهان الدين بن جماعة وقع بينهما بسبب الناصرية ووكل به مدّة لاستعادة المعلوم، فذهب إلى مصر فردّوه من الطريق وسجنوه بالقلعة، ثم اصطلح مع ابن جماعة وعوّضه الأَتابكية (٦) ودار الحديث الأَشرفية (٧)، فلما عادت دولة الظاهر أُخِذ وسُجن بالقلعة.

وكان التاج السبكي هو الذي أَدخله الفقهاء، فلما امتُحِن تاج الدين كان هو أشدّ (٨) بين من قام عليه، وكان مشهورًا بقوة الحافظة ودوام المحفوظ قل أَن ينسى شيئًا حفظه.

وكان كثير الإنكار على أَرباب التهم، شجاعًا مقدامًا، كثير المساعدة لطلبة العلم لا يُحابي ولا يُداهن، واقتنى من الكتب النفيسة شيئًا كثيرًا، وكان لا يملّ من الاشتغال. مات في ثالث عشر ذي الحجة مسجونًا بقلعة دمشق.


(١) في ل، ز، هـ "بجلب".
(٢) انظر عنه النعيمي: الدارس ٢/ ٤٢٠.
(٣) في ز " يتصدى".
(٤) انظر عنها النعيمي: الدارس ١/ ٤٥٥ وما بعدها.
(٥) النعيمي: الدارس ١/ ٤٥٩.
(٦) انظر عنها النعيمي: الدارس ١/ ١٢٩ وما بعدها. هذا وفى بعض النسخ بعد كلمة الأتابكية "ثم لما ولى ولده القضاء أعطاه الخطابة والناصرية والأتابكية ودار الحديث" الخ.
(٧) انظر النعيمي: الدارس ١/ ٤٧.
(٨) في ز "من أشد"، في ل "أحد".