وفي ذي القعدة عُزل أزدمر جاية عن الإمرة وأُمر بلزوم منزله، ثم بشَّره ياقوت المقدم الحبشي بالرضى عنه فخُلع عليه كامليّة بسمور وأُمر بأَن يخرج مع كاشف الصعيد لقتال العرب به.
* * *
وفي رمضان ادُّعى على الشيخ شمس الدين بن الشيخ سراج الدين عمر الميْموني - وكان أَبوه من أَعيان الطلبة الشافعية - عند شيخنا سراج الدين البلقيني وغيره وكان نقيب درس الخشَّابية، ونشأَ ولده هذا طالبًا فمات أَبوه وهو صغير، فتعانى طريقة الفقراء وأَقام في زاويةٍ ونصب له خادما فبقى مدة ثم ترك، وواظب الحج في كل سنة، وكان كثير التلاوة جدا، فاتفق أَنه ذكر لبعض الناس أنه رأى القاضي زين الدين التفهني في المنام في حالة - ذكرها - سيئة جدا، فادُّعى عليه أَنه قال:"قد أباح لى سيدى اللواط والخمر والحشيش والفطر في رمضان"، إلى أشياء من هذا الجنس فأنكر، فشَهد عليه جماعةٌ وثبت ذلك عند ابن الطرابلسي نائب الحنفى، ثم استفتى علماءهم فأَفتوه بأَنَّ ذلك زندقة، فاتفق أَن الحنفى ذكر ذلك للسلطان واستأْذنه في إمضاء الحكم عليه فأَمر بإحضاره.
فلما كان يوم الاثنين سادس شوال أُحضر إلى القصر وفى رقبته سلسلة فسلم ثم قال:"يا عبد الرحمن اتق الله" يخاطب القاضى التفهنى فغضب وقال: "حكمت بزندقتك وسفك دمك"، وقال للحنبلي:"نفذ لى" فقال: "حتى ينفذ الشافعي" فامتنع، فسأَلني السلطان فقلت:"وقعت عندى ريبةٌ تَمْنَعُ من تنفيذ هذا الحكم، فإنى أَعرف هذا الرجل وقد ذُكر لي أن في عقله خللا، والقاضى سارع فيه بالحكم في حال غضبه"، وتعصّب العيني للميمونى وأَحضر النقل بأَن الزنديق إنما يقتل عندهم إذا كان داعية، وطال البحث في ذلك، وقام الحنفى ليقتله وأرسل إلى الوالى فأشار عليه بعض أَلزامه بالتأني في أمره، ثم عُقد مجلسٌ حافلٌ بسببه، وتعصّب أكثر الجند وأكثر المباشرين عليه تبعا للتفهني ولم يبق معه سوى خُشْقَدم الخزندار وللسلطان إليه ميل، فطال النزاع في أَمره، فاتفق أَن قال في جملة ما خاطب به التفهنى:"يا سيدنا قاضي القضاة أَتوب إلى الله من رؤيا المنامات من اليوم! " فازداد حنقه منه، وكايده العيني فتعصّب له ثم اتفق الحالُ. على حبسه.