وجهَّز الأَميرُ جِرْباشُ مبشرًا بالفتح، ويقال إن جملة مَن قُتِل في مدة نصف شهر من الفرنج خمسة آلاف ولم يُقتل من المسلمين في هذه الغزاة إلا ثلاثة عشر نفسا، وكان طلوعهم إلى القلعة بالأَسرى والغنائم يوما مشهودًا، وكان في بقية شوال منها.
* * *
وفى رجب قدم مِقبل الحسنى الذى كان أَميرًا لينبع بخديعةٍ من صديقه فخر الدين التبريزي التاجر فلم يزل به حتى قدم معه إلى القاهرة بعد أَن توثق له بالأَمان، فأَمر السلطان بحبسه فسُجن غَيْرَ مُضَيَّقٍ عليه.
وفي السابع عشر من شعبان زُلزلت الأرض بمصر والقاهرة قدر درجتين، وكان أَمرا مهولًا، إلا أنه لم يقع بها هدمُ شيء من الأماكن إلا اليسير، فنسأَل الله العفو والعافية.
وفى سابع عشرى ذو القعدة نودى على الفلوس بأَن يكون كل رطل منها بإثنى عشر درهمًا، وكانت قد قلَّت جدا بحيث صار الشخص يشترى من الدرهم الفضة رغيفًا فلا يجد الخباز ما يكمل له حقه من الفلوس.
وكان السبب في ذلك أنه اجتمع عند السلطان منها مقدار كبير، فشاع بين الناس أَنه ينادى عليها بزيادة فى سعرها فأَمسك أَكثر الناس عن إخراجها، فمَن عنده شي منها رجا الربح فعزَّت بسبب ذلك، فلما نودى عليها سكنت نفوسهم وأخرجوها فكثرت في الأيدي.
وفى أواخر ذى القعدة وصل يَشْبُك الجركسى، وكان جُلب من بلاد الجركس فأَحذه الفرنج فأَقام عندهم وتعلم ما يصنعه البهلوان، فدخل القاهرة فأوصلوه إلى السلطان فأَسلم ورُتِّب في طبقة المماليك، ثم أَراد أَن يُرى السلطان شيئا فنِّه فنصَب حبلًا على رأْس مئذنة حسن وطرفه على رأْس الأَشرفية، فمشى عليه ورمى بالمكحلة وهو فوقه، وأوتر قَوْس الرجل ورمى به، ولما فرغ خلع عليه السلطان وأركبه فرسًا وأَنعم عليه الأمراء بجملة دراهم.
ولما صُرف جمال الدين الكركى من كتابة السر بمصر قُرر في نظر الجيش بدمشق بعده مدة، وذلك في أواخر رمضان، وكان حسين جمع بين وظيفتي: كتابةِ السر ونظر الجيش بعناية أُزْبُك الدويدار فصُرف من نظر الجيش.