له بها أحمد هذا فنشأ بمدينة برصا، فكان يقال له: ابن عرب، على عادة الروم والترك في تسمية من لم يكن منهم عرب، ونشأ أحمد هذا نشأة حسنة، ثم قدم القاهرة وتنزل في القاعدة التي استجدها أكمل الدين صوفياً، وقرأ على خير الدين سليمان بن عبد الله، ونسخ بالأجرة واشتغل، ثم انقطع عن الناس فلم يكن يجتمع بأحد، واختار العزلة مع المواظبة على الجمعة والجماعة، واقتصر على ملبس خشن جداً وقنع بيسير من القوت، ومهما اطلع على أن أحداً من الباعة عرفه فحاباه لم يعد إليه، وكان يتنكر ويشتري قوت يومين أو ثلاثة بعد العشاء ويدخل الجامع من أول النهار يوم الجمعة، ولا يكلم أحداً في حال ذهابه ولا إيابه، فأقام على هذه الطريق أكثر من ثلاثين سنة ولم يكن في عصره من داناه في طريقته، وكان يدري القراآت، مات ليلة الأربعاء ثاني شهر ربيع الأول، ومن عجائب أمره أنه لما مات كان الجمع في جنازته موفوراً، وأكثر الناس كانوا لا يعلمون بحاله ولا بسيرته فلما تسامعوا بموته هرعوا إليه، ونزل السلطان من القلعة فصلى عليه بالرميلة، وأعيد إلى الخانقاه فدفن بها، وتنافس الناس في شراء ثياب بدنه فاشتروها باغلاء الأثمان، فاتفق أن جملة ما اجتمع من ثمنها حسب فكان قدر ما تناوله من المعلوم من أول ما نزل بها إلى أن مات لا يزيد ولا ينقص، فعد ذلك من كراماته رحمه الله.
أحمد بن موسى، شهاب الدين المتبولي المالكي موقع الحكم، حدث عن البياني وغيره، أخذ عنه جماعة، ومات في يوم الأربعاء ٨ ربيع الأول عن خمس وثمانين سنة.