للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنْزل في بيْتِ نوروز، وهو شيخٌ كبير يُقال بَلغ الثمانين، ويغلب على لونه السمْرة الشديدة، وتقدّم خبره في حوادث سنة ٣٧. وكان دخل القاهرة في دولة الملك الظاهر مرّة قبلها، ثم صاهره السلطانُ وتزوّج ابنته، وسافَرَ بعده إلى بلاده بعد أن بولغ في إكرامه والإنعامات عليه.

* * *

وورد الخبر بأنّ أبا الفضل بن شيخنا زين الدين بن حسين قُتِل بغتةً، قتله شريف من الرافضة، وقيل إن سبب ذلك أن الحسين كان له دَيْن على القاتل، فلما مات أوصى أبا الفضْل، فطالب أبو الفضل بمال محاجيره فمطله، فألحّ عليه فاغتاله، وصار أهل المدينة في خوف شديد، ولم يبق أحد يجسر أن يخرج من بيته سحرًا، وكان سليمان أمير المدينة غائبًا، وله نائب اسمه حَيْدَر بن غُرَيْر، فخرج في جماعةٍ لتحصيل القاتل، وكان تسحّب هو وجماعة من عشيرته، فما ظفروا بأحد منهم، وكان ما سنذكره في السنة المقبلة.

* * *

وفي أواخر شوال مرض صاحبُنا القاضي محبّ الدين بن أبي الحسن البكري المصري نائب الحكم، وكان قد سار مع الرجبيّة إلى مكة، فرأى وهو يطوف بالبيت بعضَ الصّنّاع من المرخمين يحاول خَلعَ لوح رخام من الحجرة وهو في غاية الثبات ليلصقه على كيفية أخرى، فأنكر عليه، فتوجّه المذكورُ إلى شادّ العمارة سُودُون المحمدي، فذكر له ذلك فسأل عنه فقيل إنه نائب الحكم عن الشافعي، فقال: "لعلّ هو الذي كاتب فينا! "، فأمر بإحضاره فأهانه وضربه تحت رجليه عُصَيّات (١)، ثم أراد أن يُركِبه حمارًا ويطوفَ به فقيل له، إنه برئ ممّا اتّهَمْتَه به، وإنه كان حين ورود الكتاب مقيمًا بالقاهرة، فندم على ذلك، ولقيه في الطّواف فاستحله، وكان المحبّ المذكور قد امتلأ غيظًا ممّا أصابه بغير جرْم وكظم غيظه، فما لبث أن حُمّ واستمر موعوكًا إلى أن قدم الحجّ فتوجّه مع الركب المصري فمات بالينبع، بعد أن رجع من زيارة المدينة المنورة.

وقد ذكرتُ ذلك في ترجمته فيما سيأتي، وخُتم له بخير، ولعله مات شهيدًا.

ورأت امرأة من أهل الصدق ليلة دفنه وهى مستيقظة على سطح كأنّ عمود نور أقبل من نحو المدينة إلى أن غاب في قبر المذكور، فأيقظت زوجها وأخرى من أقاربها فشاهدوا ما شاهدت، وأخبروا به.


(١) في هامش هـ بخط محمد بن الكيال "قصة ابن أبي الحسن مع المحمدى".