وقد ورد الخبر بأنّه خرج على الحاج بعد أن انفصلوا من المدينة ريح حارة وأعقبها سَمُوم أضعفت الأبدان، وأهلكت الجمال، ومات منها ومن بني آدم عدد كثير منهم القاضي محبّ الدين محمد بن أبي الحسن البكري نائب الحكم، وكان عارفًا بالأحكام متثبتًا في القضايا، وقورًا، عالمًا عاقلًا، كثير الاحتمال، مشاركًا في الفقه، لم يشتغل في غيره، وقد درس في المدرسة الخرّوبية بشاطئ النّيل نحوًا من عشر سنين، وكان قد توجّه إلى الحجاز في الرجبية فجاور ثم رجع، وذكر لي من أثق به أنّه كان كثير الطواف، وأنّه واظب على ذلك خمسين مرة في كل يوم.
وهو من قدماء معارفنا، وأهْل الاختصاص بنا، فالله يعظم أجرنا فيه، ويبدلنا به خيرًا منه، وقد غبطْتُه بما اتفق له من حسن الخاتمة بالحج والاعْتمار والمجاورة، وزيارة الحضرة الشريفة النبويّة، والموت عقب ذلك في الغربة، وكانت وفاته بالينبع وصُلّىَ عليه هناك ودُفِن بها، وقد جاوز السبعين بسنين.
* * *
يوم الثلاثاء مستهل ذى الحجة بالرؤية.
فيه استقرّ نورُ الدين على بن أحمد بن أقبرس في نظر الأوقاف عوضًا عن تقى الدين بن تاج الدين بن نصر الله، وكان تقيّ الدين استقر فيها بعد صلاح الدين ابن عمّه، وكان عمّه الصاحب بدر الدين إذ ذاك موعوكًا فبلغه ذلك فشقّ عليه وشغله الضعف، ثم توجّه للعافية واستمر نور الدين في الوظيفة.
* * *
وفى الثامن من ذى الحجة ورد الخبر بموت أقْبُغَا التركماني في حبْسه بسجن الكَرَك، وكان أحد الأمراء الكبار في الدولة الأشرفية، وولى النظر على الخانقاه الناصرية (١) بسرياقوس، فذكر بعض الكبراء أن السلطان أمر كاتب السرّ أن يكتب إلى نائب الكرَك بأن
(١) تقع هذه الخانقاه خارج القاهرة من ناحية الشمال وتنسب إلى مؤسسها الناصر محمد بن قلاون الذي بناها سنة ٧٢٣ لنذر نذره وكان بها مائة خلوة صوفي، ولقب شيخها بشيخ الشيوخ وكان قبل ذلك لا يلقب به إلّا شيخ خانقاه سعيد السعداء، وجرت العادة على أن يصرف لكل صوفي بها في اليوم رطل ضان سليخ قد طبخ في طعام شهى وأربعة أرطال خبز نقى، وديناران كل شهر، ورطل حلوى ورطلان من زيت الزيتون ورطلان من الصابون، وثمن كسوة في كل سنة، وكلما ظهرت فاكهة جديدة يصرف مبلغ لشرائها. ولقد أطال المقريزى في خططه ٣/ ٤١٤ - ٤١٥ حيث أضاف إلى ذلك أنه كان "بها خزانة للسكر والأشربة والأدوية، وبها الطبائعي والجرائحي والكحال ومصلح الشعر، وبالحمام حلاق.