وفي صفر أُمر بتحكير قصب السكر وأن لا يزرعه أحدٌ إلَّا للسلطان، ثم بطل ذلك بعد قليل.
وفيه أُمر بهدم ما كان اليهود أحدثوه من بناء درْبٍ محدث يغلق على كنيستهم وسياج كالسور حاذوا فيه كثيرًا من دور المسلمين التي تهدَّمت، وكانوا فعلوا ذلك في سنة ثلاثٍ وعشرين بغير إذنٍ من حاكم، فقام الشريف شهاب الدين النعماني في ذلك، وكان لمّا أنكر عليهم لَبَّسُوا على قاضي الحنابلة وأخذوا خَطَّه على قصة، وكان القائم معهم في ذلك نقيبُ الحنبلي جمال الدين عبدُ الله الإسكندرانى، فحمَل النعماني أعيان الناس على الحنبلي حتى أوضح له القصة فحكم بهدم ما أحدثوه من السياجات والأبواب والخوخ، وسجل على نفسه بذلك في سنة أربع وعشرين، فلما كان في هذه السنة رفعوا للقاضي الحنفى العينتابي قصةً فأذن فيها لبعض النواب ممن كان الشافعي منعه من الحكم وكان من شيعة اليهود، فتوسل العينتابي بذلك فأذن له في الحكم وعيّن عليه هذه القصة، فكتب محضرًا يتضمن أن الذي كانوا جَدّدوه مختصٌ بالكنيسة وليس فيه تى من أبنية المسلمين ولا مِنْ حقوقهم، وإنما تعصّبوا عليهم في القضية التي تقدّم ذكرها، فأثبت ذلك وأذن لهم في إعادة ما كان الحنبلي حَكَم بهدمه فسارعوا إلى بنيانه، فقام النعماني وحمل الناس على العينتابي حتى نفَّذ حكم الحنبلي، ثم أخذ النعماني في التشنيع على النائب الذي تعاطى ذلك وهو عبد الله البرلسي حتى اتَّصلت القصة بالسلطان، فأذِن الشافعي والحنبلي أن يتوجها بمفردهما ومعهما ناظرُ الأوقاف إلى المكان المذكور ويشخّصوه وينظر القاضيان فيما حكم ابن المغلي ثم البرلسى ويفعلا فيه الواجب، فتوجّهوا يوم الجمعة ثانى عشري صفر، وكان النعماني استكتب شيوخ المصريين في محضر شهدوا فيه أن الذي أُعيد الآن هو عين ما كان ابن المغلي أمَر بهدمه، وأذن العينتابي لليهود في كتابة محضّرٍ بأنه غيْرُه وكتب فيه جماعة، فلما تأمَّلْتُ المحضرين وشاهدْتُ الأمكنة المجدّدة أغنَتِ المشاهدة عن الخبر وظهر الحق بيد النعماني، لكن رأيت الغوغاء قد اجتمعوا ومعهم المساحي والمعاول فلو أذنت هدم شيء ما
= ثم أشار أبو المحاسن إلى أن القاضي الحنبلي كان يكثر التردد عليه من المدرسة الصالحية ماشيا ويجلس "حيث انتهى به المجلس، فلم يحسن ذلك ببال أعيان الدولة وحملوه على أنه يفعل ذلك تعمدا … وقالوا للسلطان: هذا مجنون ولا زالوا به حتى عز له".