لهُدِمت الكنيسة كلها ونُهب ما فيها، وكان ذلك وقت العصر، فقلت لهم": لا بد من كشف كنيسة النصارى حتى ينظر ما أحدثوا أيضا ويُهدم الجميع"، فأعجبهم ذلك وافترقنا على العود في أول النهار، ثم استوفى الشافعي والحنبلي الشروط في المسألة وحَكَمَا بهدم ما أُحْدِث وإبطال حُكْم البرلّسى، وكان ابن البرلّسي قبل ذلك خشى القالة فأشهد على نفسه بأنه رجع عن الحكم المذكور، ثم توجه لكاتب السر فأعلمه بذلك، واتصل ذلك بالسلطان وكتب عند الافتراق:"أمرْتُ الوالى أن يزيل ما أحدثوه من الأبنية الجديدة كلها بالليل"، ففعل ذلك وانحسمت المادة بعون الله تعالى.
* * *
وفى ربيع الأول غلا السعر بسبب هبوب الريح المريسيّة فمُنعت المراكب من الوصول إلى الوجه البحرى بالغلال وعزَّ وجود الخبز بالأسواق أياما، ثم فرج الله وانحلَّ السعر في جمادى الأولى ورخص القمح وغيره.
وفي شهر ربيع الآخر شدّد السلطانُ في أمر الخمر وأمر بإراقة ما يوجد منها في مظانّها في جميع البلاد وكذلك الحشيش وأمر بإحراق ما يوجد منها، فأهريق من الخمر وأُحرق من الحشيش مالا يُحصَى كثرة، وأكثر ذلك كان بدمياط، وكان في القاهرة وغيرها من الأعمال على ذلك ضمانٌ وعليه إقطاعات لأناسٍ، فبطل ذلك والله الحمد، ثم أُعيد قليلا قليلا بدسائس أهل الظلم والمكر حتى عاد كما كان بعد مدة قريبة.
وفيها أبطلت المعاملة بالبنادقة وضُربت أشرفيةً، وحصل بذلك لخيار المسلمين سرور كبير.
* * *
وفيه حضر جماعةٌ من أهل دمياط وشكوا من ابن الملَّاح الكاتب النصراني الملكي وأنه متجاهرٌ باللّواط ويستخدم من يكون جميل الصورة من أهل البلد ويبالغ في إظهار الفاحشة، حتى إنه ربما قام بحضرة الناس فخلا به الشاب منهم بحيث لا يواريه إلا جدارُ المخدع أو شبهه، ثم يخرجان معا على الهيئة الدالة على المُراد، وكَثُر ذلك منه وأنف جماعةٌ من الناس ومنعوا أولادهم من الخدمة عنده وهو يفسدهم بكثرة العطية ومعاقرة الخمر والغناء، مع ما هو فيه من الجاه العريض حتى كان والى البلد يقف في خدمته، ومهما قال لا يُرَد